وقال آخر:
إذا جانب أعياك فاعمد لجانب * فإنك لاق في البلاد معولا (1) وقال أبو النشناش:
إذا المرء لم يسرح سواما ولم يرح * سواما ولم تعطف عليه أقاربه (2) فللموت خير للفتى من قعوده * عديما ومن مولى تدب عقاربه ولم أر مثل الهم ضاجعه الفتى * ولا كسواد الليل أخفق طالبه فعش معدما أو مت كريما فإنني * أرى الموت لا ينجو من الموت هاربه * * * وفد يحيى بن عروة بن الزبير على عبد الملك، فجلس يوما على بابه ينتظر إذنه، فجرى ذكر عبد الله بن الزبير، فنال منه حاجب عبد الملك، فلطم يحيى وجهه حتى أدمى أنفه، فدخل على عبد الملك ودمه يجرى من أنفه، فقال: من ضربك؟ قال: يحيى بن عروة، قال: أدخله - وكان عبد الملك متكئا فجلس - فلما دخل قال: ما حملك على ما صنعت بحاجبي؟ قال: يا أمير المؤمنين، إن عمى عبد الله كان أحسن جوارا لعمتك منك، لنا والله إن كان ليوصي أهل ناحيته ألا يسمعوها قذعا (3)، ولا يذكروكم عندها إلا بخير، وإن كان ليقول لها: من سب أهلك فقد سب أهله، فأنا والله المعم المخول، تفرقت العرب بين عمى وخالي، فكنت كما قال الأول:
يداه أصابت هذه حتف هذه * فلم تجد الأخرى عليها مقدما فرجع عبد الملك إلى متكئه، ولم يزل يعرف منه الزيادة في إكرام يحيى بعدها.