منا، فسألناهم: أين هذا الماء الذي عندكم؟ قالوا: ليس قربنا ماء، فقلنا: بلى إنا شر بنا منه، قالوا: أنتم شربتم منه! قلنا: نعم، فقال صاحب الدير: والله ما بنى هذا الدير إلا بذلك الماء، وما استخرجه إلا نبي أو وصى نبي.
قال نصر: ثم مضى عليه السلام، حتى نزل بأرض الجزيرة، فاستقبله بنو تغلب والنمر بن قاسط بجزور (1)، فقال عليه السلام ليزيد بن قيس الأرحبي: يا يزيد، قال: لبيك يا أمير المؤمنين! قال: هؤلاء قومك، من طعامهم فأطعم، ومن شرابهم فاشرب.
قال: ثم سار حتى أتى الرقة - وجل أهلها عثمانية، فروا من الكوفة إلى معاوية - فأغلقوا أبوابها دونه، وتحصنوا، وكان أميرهم سماك بن مخرقة الأسدي في طاعة معاوية، وقد كان فارق عليا عليه السلام في نحو من مائة رجل من بنى أسد، ثم كاتب معاوية، وأقام بالرقة حتى لحق به سبعمائة رجل.
قال نصر: فروى حبة أن عليا عليه السلام لما نزل على الرقة، نزل بموضع يقال له البليخ على جانب الفرات، فنزل راهب هناك من صومعته، فقال لعلى عليه السلام:
إن عندنا كتابا توارثناه عن آبائنا، كتبه أصحاب عيسى بن مريم، أعرضه عليك؟
قال: نعم، فقرأ الراهب الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم. الذي قضى فيما قضى، وسطر فيما كتب (2): أنه باعث في الأميين رسولا منهم، يعلمهم الكتاب والحكمة، ويدلهم على سبيل الله، لا فظ ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزى بالسيئة السيئة، بل يعفو ويصفح، أمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل نشر (3) و، في كل صعود وهبوط، تذل ألسنتهم