قال نصر: وكان أيمن بن خزيم رجلا عابدا مجتهدا، وقد كان معاوية جعل له فلسطين، على أن يتابعه ويشايعه على قتال علي عليه السلام، فقال أيمن: وبعث بها إليه:
ولست مقاتلا رجلا يصلي * على سلطان آخر من قريش له سلطانه وعلي إثمي * معاذ الله من سفه وطيش أأقتل مسلما في غير جرم * فليس بنافعي ما عشت عيشي!
قال نصر: فلما رضي أهل الشام بعمرو، وأهل العراق بأبي موسى، أخذوا في سطر كتاب الموادعة، وكانت صورته:
" هذا ما تقاضى عليه علي أمير المؤمنين ومعاوية بن أبي سفيان ". فقال معاوية: بئس الرجل أنا إن أقررت أنه أمير المؤمنين ثم قاتلته! وقال عمرو: بل نكتب اسمه واسم أبيه، إنما هو أميركم، فأما أميرنا فلا. فلما أعيد إليه الكتاب أمر بمحوه، فقال الأحنف: لا تمح اسم أمير المؤمنين عنك، فإني أتخوف إن محوتها ألا ترجع إليك أبدا، فلا تمحها. فقال علي عليه السلام: إن هذا اليوم كيوم الحديبية حين كتب الكتاب عن رسول الله صلى الله عليه: هذا ما صالح عليه محمد رسول الله سهيل بن عمرو، فقال سهيل: لو أعلم أنك رسول الله لم أقاتلك، ولم أخالفك، إني إذا لظالم لك إن منعتك أن تطوف ببيت الله الحرام وأنت رسوله، ولكن اكتب: " من محمد بن عبد الله "، فقال لي رسول الله صلى الله عليه: " يا علي، إني لرسول الله، وأنا محمد بن عبد الله، ولن يمحو عني الرسالة كتابي لهم من محمد بن عبد الله، فاكتبها وامح ما أراد محوه، أما إن لك مثلها ستعطيها وأنت مضطهد ".
قال نصر: وقد روي أن عمرو بن العاص عاد بالكتاب إلى علي عليه السلام، فطلب منه أن يمحو اسمه من إمرة المؤمنين فقص عليه وعلى من حضر قصة صلح الحديبية،