فتقطعها، فإن وجدت بها جندا فأغر عليهم، وإلا فامض حتى تغير على الأنبار، فإن لم تجد بها جندا فامض حتى توغل في المدائن. ثم أقبل إلي واتق أن تقرب الكوفة. واعلم أنك إن أغرت على أهل الأنبار وأهل المدائن فكأنك أغرت على الكوفة. إن هذه الغارات يا سفيان على أهل العراق ترعب قلوبهم، وتفرح كل من له فينا هوى منهم، وتدعو إلينا كل من خاف الدوائر، فاقتل من لقيته ممن ليس هو على مثل رأيك، وأخرب كل ما مررت به من القرى، واحرب الأموال، فإن حرب الأموال شبيه بالقتل، وهو أوجع للقلب.
قال: فخرجت من عنده فعسكرت، وقام معاوية في الناس فخطبهم، فقال: أيها الناس، انتدبوا (1) مع سفيان بن عوف، فإنه وجه عظيم فيه أجر، سريعة فيه أوبتكم إن شاء الله. ثم نزل.
قال: فوالذي لا إله غيره ما مرت ثالثة حتى خرجت في ستة آلاف، ثم لزمت شاطئ الفرات، فأغذذت السير حتى أمر بهيت، فبلغهم أني قد غشيتهم فقطعوا الفرات فمررت بها وما بها عريب، (2) كأنها لم تحلل قط، فوطئتها حتى أمر بصندوداء (3)، ففروا فلم ألق بها أحدا، فأمضي حتى أفتتح الأنبار، وقد نذروا بي، فخرج صاحب المسلحة إلي، فوقف لي فلم أقدم عليه حتى أخذت غلمانا من أهل القرية، فقلت لهم: أخبروني، كم بالأنبار من أصحاب علي ع؟ قالوا: عدة رجال المسلحة خمسمائة، ولكنهم قد تبددوا ورجعوا إلى الكوفة، ولا ندري الذي يكون فيها، قد يكون مائتي رجل، فنزلت فكتبت أصحابي كتائب، ثم أخذت أبعثهم إليه كتيبة بعد كتيبة، فيقاتلهم والله ويصبر لهم، ويطاردهم ويطاردونه في الأزقة، فلما رأيت ذلك أنزلت إليهم نحوا من مائتين،