وذكر أن القائم إليه، العارض نفسه عليه جندب بن عفيف الأزدي، هو وابن أخ له يقال له: عبد الرحمن بن عبد الله بن عفيف.
قال: ثم أمر الحارث الأعور الهمداني، فنادى في الناس: أين من يشتري نفسه لربه ويبيع دنياه بآخرته؟ أصبحوا غدا بالرحبة إن شاء الله، ولا يحضر إلا صادق النية في السير معنا، والجهاد لعدونا. فأصبح وليس بالرحبة إلا دون ثلاثمائة، فلما عرضهم قال: لو كانوا ألفا كان لي فيهم رأي.
وأتاه قوم يعتذرون، فقال: " وجاء المعذرون " (1)، وتخلف المكذبون، ومكث أياما باديا حزنه شديد الكآبة، ثم جمع الناس فخطبهم فقال: أما بعد أيها الناس، فوالله لأهل مصركم في الأمصار أكثر من الأنصار في العرب، وما كانوا يوم أعطوا رسول الله ص أن يمنعوه ومن معه من المهاجرين حتى يبلغ رسالات ربه إلا قبيلتين، قريبا مولدهما، ما هما بأقدم العرب ميلادا، ولا بأكثرهم عددا. فلما آووا النبي ص وأصحابه، ونصروا الله ودينه، رمتهم العرب عن قوس واحدة، فتحالفت عليهم اليهود، وغزتهم القبائل قبيلة بعد قبيلة، فتجردوا لنصرة دين الله، وقطعوا ما بينهم وبين العرب من الحبائل، وما بينهم وبين اليهود من الحلف، ونصبوا لأهل نجد وتهامة وأهل مكة واليمامة، وأهل الحزن والسهل، وأقاموا قناة الدين، وصبروا تحت حماس الجلاد، حتى دانت لرسول الله ص العرب، ورأي منهم قرة العين قبل أن يقبضه الله عز وجل إليه، وأنتم اليوم في الناس أكثر من أولئك ذلك الزمان في العرب.
فقام إليه رجل آدم طوال، فقال: ما أنت بمحمد، ولا نحن بأولئك الذين