قال إبراهيم: وقدم (1) علج من أهل الأنبار على علي ع، فأخبره الخبر، فصعد المنبر فخطب الناس، وقال:
إن أخاكم البكري قد أصيب بالأنبار، وهو معتز لا يخاف ما كان، واختار ما عند الله على الدنيا، فانتدبوا إليهم حتى تلاقوهم، فإن أصبتم منهم طرفا أنكلتموهم عن العراق أبدا ما بقوا.
ثم سكت عنهم رجاء أن يجيبوه أو يتكلم منهم متكلم، فلم ينبس أحد منهم بكلمة، فلما رأى صمتهم نزل، وخرج يمشي راجلا حتى أتى النخيلة، والناس يمشون خلفه حتى أحاط به قوم من أشرافهم، فقالوا: ارجع يا أمير المؤمنين ونحن نكفيك، فقال: ما تكفونني ولا تكفون أنفسكم. فلم يزالوا به حتى صرفوه إلى منزله، فرجع وهو واجم كئيب، ودعا سعيد بن قيس الهمداني، فبعثه من النخيلة في ثمانية آلاف، وذلك أنه أخبر أن القوم جاءوا في جمع كثيف.
فخرج سعيد بن قيس على شاطئ الفرات في طلب سفيان بن عوف، حتى إذا بلغ عانات (2)، سرح أمامه هانئ بن الخطاب الهمداني، فاتبع آثارهم حتى دخل أداني أرض قنسرين وقد فاتوه، فانصرف.
قال: ولبث علي ع ترى فيه الكآبة والحزن حتى قدم عليه سعيد بن قيس، وكان تلك الأيام عليلا، فلم يقو على القيام في الناس بما يريده من القول، فجلس بباب السدة التي تصل إلى المسجد، ومعه إبناه حسن وحسين ع، وعبد الله بن جعفر، ودعا سعدا مولاه، فدفع إليه الكتاب، وأمره أن يقرأه على الناس، فقام سعد بحيث يستمع علي ع صوته، ويسمع ما يرد الناس عليه، ثم قرأ هذه الخطبة التي نحن في شرحها.
* * *