شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢ - الصفحة ٤٣
ولكنه لما علم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد مات، خاف من وقوع فتنة في الإمامة، وتقلب أقوام عليها، اما من الأنصار أو غيرهم، وخاف أيضا من حدوث ردة، ورجوع عن الاسلام، فإنه كان ضعيفا بعد لم يتمكن، وخاف من ترات تشن، ودماء تراق، فإن أكثر العرب كان موتورا في حياه رسول الله صلى الله عليه وآله لقتل من قتل أصحابه منهم، وفي مثل ذلك الحال تنتهز الفرصة، وتهتبل الغرة، فاقتضت المصلحة عنده تسكين الناس بأن أظهر ما أظهره من كون رسول الله صلى الله عليه وآله لم يمت، وأوقع تلك الشبهة في قلوبهم، فكسر بها شرة كثير منهم، وظنوها حقا، فثناهم بذلك عن حادث يحدثونه، تخيلا منهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله ما مات، وإنما غاب كما غاب موسى عن قومه، وهكذا كان عمر يقول لهم: إنه قد غاب عنكم كما غاب موسى عن قومه، وليعودن فليقطعن أيدي قوم أرجفوا بموته.
ومثل هذا الكلام يقع في الوهم، فيصد عن كثير من العزم، ألا ترى أن الملك إذا مات في مدينة وقع فيها في أكثر الامر نهب وفساد وتحريق، وكل من في نفسه حقد على آخر بلغ منه غرضه، إما بقتل أو جرح أو نهب مال، إلى أن تتمهد قاعدة الملك الذي يلي بعده، فإذا كان في المدينة وزير حازم الرأي، كتم موت الملك، وسجن قوما ممن أرجف نداء بموته، وأقام فيهم السياسة، وأشاع أن الملك حي، وأن أوامره وكتبه نافذة، ولا يزال يلزم ذلك الناموس إلى أن يمهد قاعدة الملك الوالي بعده، وكذلك عمر أظهر ما أظهر حراسة للدين والدولة، إلى أن جاء أبو بكر وكان غائبا بالسنح، وهو منزل بعيد عن المدينة، فلما اجتمع بأبي بكر قوى به جأشه، واشتد به أزره، وعظم طاعة الناس له وميلهم إليه، فسكت حينئذ عن تلك الدعوى التي كان ادعاها، لأنه قد أمن بحضور أبى بكر من خطب يحدث، أو فساد يتجدد، وكان أبو بكر محببا إلى الناس، لا سيما المهاجرين.
(٤٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 بعث معاوية بسر بن أرطاة إلى الحجاز واليمن 3
2 26 - من خطبة له عليه السلام يذكر فيها العرب بما كانوا عليه قبل البعثة وشكواه من انفراده بعدها وذمه لمن بايع بشرط 19
3 حديث السقيفة 21
4 أمر عمرو بن العاص 61
5 27 - من خطبة له عليه السلام في الحث على الجهاد وذم المتقاعدين 74
6 استطراد بذكر كلام لابن نباتة في الجهاد 80
7 غارة سفيان بن عوف الغامدي على الأنبار 85
8 28 - ومن خطبة له عليه السلام في إدبار الدنيا وإقبال الآخرة والحث على التزود لها 91
9 نبذ من أقوال الصالحين والحكماء 93
10 استطراد بلاغي في الكلام على المقابلة 103
11 29 - من خطبة له عليه السلام في ذم المتخاذلين 111
12 غارة الضحاك بن قيس ونتف من أخباره 113
13 30 - من خطبة له عليه السلام في معني قتل عثمان رضي الله عنه 126
14 اضطراب الأمر على عثمان ثم أخبار مقتله 129
15 31 - من كلام له عليه السلام لما أنفذ عبد الله بن عباس إلى الزبير قبل وقوع الحرب يوم الجمل ليستفيئه إلى طاعته 162
16 من أخبار الزبير وابنه عبد الله 166
17 استطراد بلاغي في الكلام على الاستدراج 170
18 32 - من خطبة له عليه السلام في ذم الدهر وحال الناس فيه 174
19 فصل في ذكر الآيات والأخبار الواردة في ذم الرياء والشهرة 178
20 فصل في مدح الخمول والجنوح إلى العزلة 182
21 33 - ومن خطبة له عليه السلام عند مسيره لقتال أهل البصرة 185
22 من أخبار يوم ذي قار 187
23 34 - من خطبة له عليه السلام في استنفار الناس إلى أهل الشام 189
24 أمر الناس بعد وقعة النهروان 193
25 مناقب علي وذكر طرف من أخباره في عدله وزهده 197
26 35 - من خطبة له عليه السلام بعد التحكيم 204
27 قصة التحكيم ثم ظهور أمر الخوارج 206
28 36 - ومن خطبة له عليه السلام في تخويف أهل النهروان 265
29 أخبار الخوارج 265
30 37 - ومن كلام له عليه السلام يجرى مجرى الخطبة يذكر ثباته في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر 284
31 الأخبار الواردة عن معرفة الإمام على بالأمور الغيبية 286
32 38 - من خطبة له عليه السلام في معني الشبهة 298
33 39 - من خطبة له عليه السلام في ذم المتقاعدين عن القتال 300
34 أمر النعمان بن بشير مع علي ومالك الأرحبي 301
35 40 - ومن كلام له عليه السلام للخوارج لما سمع قولهم: " لا حكم إلا لله " 307
36 اختلاف الرأي في القول بوجوب الإمامة 310
37 من أخبار الخوارج أيضا 310
38 41 - ومن خطبة له عليه السلام في مدح الوفاء وذم الغدر 312
39 42 - ومن خطبة له عليه السلام يحذر فيها اتباع الهوى وطول الأمل 318
40 43 - ومن خطبة له عليه السلام وقد أشار عليه أصحابه بالاستعداد لحرب أهل الشام بعد إرساله إلى معاوية بجرير بن عبد الله البجلي 322
41 ذكر ما أورد القاضي عبد الجبار من دفع ما تعلق به الناس على عثمان من الأحداث 324
42 رد المرتضى على ما أورده القاضي عبد الجبار من الدفاع عن عثمان. 328