ولكنه لما علم أن رسول الله صلى الله عليه وآله قد مات، خاف من وقوع فتنة في الإمامة، وتقلب أقوام عليها، اما من الأنصار أو غيرهم، وخاف أيضا من حدوث ردة، ورجوع عن الاسلام، فإنه كان ضعيفا بعد لم يتمكن، وخاف من ترات تشن، ودماء تراق، فإن أكثر العرب كان موتورا في حياه رسول الله صلى الله عليه وآله لقتل من قتل أصحابه منهم، وفي مثل ذلك الحال تنتهز الفرصة، وتهتبل الغرة، فاقتضت المصلحة عنده تسكين الناس بأن أظهر ما أظهره من كون رسول الله صلى الله عليه وآله لم يمت، وأوقع تلك الشبهة في قلوبهم، فكسر بها شرة كثير منهم، وظنوها حقا، فثناهم بذلك عن حادث يحدثونه، تخيلا منهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله ما مات، وإنما غاب كما غاب موسى عن قومه، وهكذا كان عمر يقول لهم: إنه قد غاب عنكم كما غاب موسى عن قومه، وليعودن فليقطعن أيدي قوم أرجفوا بموته.
ومثل هذا الكلام يقع في الوهم، فيصد عن كثير من العزم، ألا ترى أن الملك إذا مات في مدينة وقع فيها في أكثر الامر نهب وفساد وتحريق، وكل من في نفسه حقد على آخر بلغ منه غرضه، إما بقتل أو جرح أو نهب مال، إلى أن تتمهد قاعدة الملك الذي يلي بعده، فإذا كان في المدينة وزير حازم الرأي، كتم موت الملك، وسجن قوما ممن أرجف نداء بموته، وأقام فيهم السياسة، وأشاع أن الملك حي، وأن أوامره وكتبه نافذة، ولا يزال يلزم ذلك الناموس إلى أن يمهد قاعدة الملك الوالي بعده، وكذلك عمر أظهر ما أظهر حراسة للدين والدولة، إلى أن جاء أبو بكر وكان غائبا بالسنح، وهو منزل بعيد عن المدينة، فلما اجتمع بأبي بكر قوى به جأشه، واشتد به أزره، وعظم طاعة الناس له وميلهم إليه، فسكت حينئذ عن تلك الدعوى التي كان ادعاها، لأنه قد أمن بحضور أبى بكر من خطب يحدث، أو فساد يتجدد، وكان أبو بكر محببا إلى الناس، لا سيما المهاجرين.