تلك الحال من حيث لم يظهر على الدين كله، فإن كان الأول فهو مما لا يجوز خلاف عاقل فيه، والعلم بجواز الموت على جميع البشر ضروري، وليس يحتاج في حصول هذا العلم إلى تلاوة الآيات التي تلاها أبو بكر. وإن كان الثاني، فأول ما فيه أن هذا الاختلاف لا يليق بما احتج به أبو بكر عليه من قوله: (انك ميت)، لان عمر لم ينكر على هذا الوجه جواز الموت عليه وصحته، وإنما خالف في وقته. فكان يجب أن يقول لأبي بكر: وأي حجه في هذه الآيات على! فاني لم أمنع جواز موته، وإنما منعت وقوع موته الان، وجوزته في المستقبل، والآيات إنما تدل على جواز الموت فقط، لا على تخصيصه بحال معينه.
وبعد، فكيف دخلت هذه الشبهة البعيدة على عمر من بين سائر الخلق! ومن أين زعم أنه سيعود فيقطع أيدي رجال وأرجلهم! وكيف لم يحصل له من اليقين لما رأى من الواعية (1) وكآبة الخلق وإغلاق الباب وصراخ النساء ما يدفع به ذلك الوهم والشبهة البعيدة فلم يحتج إلى موقف.
وبعد، فيجب إن كانت هذه شبهته أن يقول في مرض النبي صلى الله عليه وآله - وقد رأى جزع أهله وخوفهم عليه الموت، وقول أسامة صاحب الجيش: لم أكن لأرحل وأنت هكذا وأسأل عنك الركب، يا هؤلاء لا تخافوا ولا تجزعوا، ولا تخف أنت يا أسامة فان رسول الله صلى الله عليه لا يموت الان لأنه لم يظهر على الدين كله.
وبعد، فليس هذا من أحكام الكتاب التي يعذر من لا يعرفها على ما ظن المعتذر له (2).
ونحن نقول: إن عمر كان أجل قدرا من أن يعتقد ما ظهر عنه في هذه الواقعة،