صدرا رحيبا وقلبا واسعا قمنا * ألا تخاف متى أودعت إظهارا (1) فعلمنا أنه يريد أن نضمن له كتمان حديثه، فقلت أنا له: يا أمير المؤمنين، ألزمنا وخصنا وصلنا، قال: بما ذا يا أخا الأشعريين؟ فقلت: بإفشاء سرك وإن تشركنا في همتك فنعم المستشاران نحن لك. قال: إنكما كذلك، فاسألا عما بدا لكما، ثم قام إلى الباب ليعلقه، فإذا الاذن الذي أذن لنا عليه في الحجرة فقال: امض عنا لا أم لك: فخرج وأغلق الباب خلفه، ثم اقبل علينا، فجلس معنا، وقال: سلا تخبرا، قلنا نريد أن يخبرنا أمير المؤمنين بأحسد قريش: الذي لم يأمن ثيابنا على ذكره لنا، فقال: سألتما عن معضلة، وسأخبركما فليكن عندكما في ذمة منيعة وحرز ما بقيت، فإذا مت فشأنكما وما شئتما من إظهار أو كتمان.
قلنا: فإن لك عندنا ذلك، قال أبو موسى: وأنا أقول في نفسي: ما يريد إلا الذين كرهوا استخلاف لابن أبي بكر له كطلحة وغيره، فإنهم قالوا لأبي بكر: أتستخلف علينا فظا غليظا:
وإذا هو يذهب إلى غير ما في نفسي، فعاد إلى التنفس، ثم قال: من تريانه؟ قلنا: والله ما ندري إلا ظنا! قال: وما تظنان؟ قلنا: عساك تريد القوم الذين أرادوا أبا بكر على صرف هذا الامر عنك، قال: كلا والله! بل كان أبو بكر أعق، وهو الذي سألتما عنه، كان والله أحسد قريش كلها، ثم أطرق طويلا، فنظر المغيرة إلى ونظرت إليه، وأطرقنا مليا لإطراقه، وطال السكوت منا ومنه، حتى ظننا أنه قد ندم على ما بدا منه، ثم قال: وا لهفاه على ضئيل بنى تيم بن مرة! لقد تقدمني ظالما، وخرج إلي منها آثما، فقال المغيرة:
أما تقدمه عليك يا أمير المؤمنين ظالما فقد عرفناه، كيف خرج إليك منها آثما قال: ذاك لأنه لم يخرج إلى منها إلا بعد يأس منها، أما والله لو كنت أطعت يزيد بن الخطاب وأصحابه لم يتلمظ من حلاوتها بشئ أبدا، ولكني قدمت وأخرت، وصعدت وصوبت، ونقضت وأبرمت، فلم أجد إلا الاغضاء على ما نشب به منها، والتلهف على نفسي، وأملت إنابته ورجوعه، فوالله ما فعل حتى نغر بها بشما.