حبك الشئ يعمى ويصم، ولهذا قال بعض الصالحين: رحم الله امرأ أهدى إلى عيوبي، وذاك لان الانسان يحب نفسه، ومن أحب شيئا عمى عن عيوبه، فلا يكاد الانسان يلمح عيب نفسه وقد قيل:
أرى كل إنسان يرى عيب غيره * ويعمى عن العيب الذي هو فيه.
فلهذا استعان الصالحون على معرفة عيوبهم بأقوال غيرهم، علما منهم أن هوى النفس لذاتها يعميها عن أن تدرك عيبها، وما زال الهوى مرديا قتالا، ولهذا قال سبحانه:
ونهى النفس عن الهوى (1)، وقال (ص): ثلاث مهلكات:
شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه (2).
وأنت إذا تأملت هلاك من هلك من المتكلمين كالمجبرة والمرجئة، مع ذكائهم وفطنتهم واشتغالهم بالعلوم، عرفت أنه لا سبب لهلاكهم إلا هوى الأنفس، وحبهم الانتصار للمذهب الذي قد ألفوه، وقد رأسوا بطريقة، وصارت لهم الاتباع والتلامذة، وأقبلت الدنيا عليهم، وعدهم السلاطين علماء ورؤساء، فيكرهون نقض ذلك كله وإبطاله، ويحبون الانتصار لتلك المذاهب والآراء التي نشئوا عليها، وعرفوا بها، ووصلوا إلى ما وصلوا إليه بطريقها، ويخافون عار الانتقال عن المذهب، وأن يشتفي بهم الخصوم ويقرعهم الأعداء، ومن أنصف علم أن الذي ذكرناه حق وأما طول الامل فينسى الآخرة، وهذا حق لان، الذهن إذا انصرف إلى الامل، ومد الانسان في مداه، فإنه لا يذكر الآخرة، بل يصير مستغرق الوقت بأحوال الدنيا، وما يرجو حصوله منها في مستقبل الزمان.