المسألة فقال المتكلمون: كلمة الإمامة واجبة، إلا ما يحكى عن أبي بكر الأصم من قدماء أصحابنا أنها غير واجبة، إذا تناصفت الأمة ولم تتظالم.
وقال المتأخرون من أصحابنا: إن هذا القول منه غير مخالف لما عليه الأمة لأنه إذا كان لا يجوز في العادة أن تستقيم أمور الناس من دون رئيس يحكم بينهم، فقد قال بوجوب الرياسة على كل حال، اللهم إلا أن يقول: إنه يجوز أن تستقيم أمور الناس من دون رئيس، وهذا بعيد أن يقوله، فأما طريق وجوب الإمامة ما هي؟ فإن مشايخنا البصريين رحمهم الله يقولون طريق وجوبها الشرع، وليس في العقل ما يدل على وجوبها.
وقال البغداديون وأبو عثمان الجاحظ من البصريين وشيخنا أبو الحسين رحمه الله تعالى: إن العقل يدل على وجوب الرياسة، وهو قول الإمامية، إلا أن الوجه الذي منه يوجب أصحابنا الرياسة غير الوجه الذي توجب الامامية منه الرياسة، وذاك أن أصحابنا يوجبون الرياسة على المكلفين، من حيث كان في الرياسة مصالح دنيوية، ودفع مضار دنيوية. والامامية يوجبون الرياسة على الله تعالى، من حيث كان في الرياسة لطف وبعد للمكلفين عن مواقعة القبائح العقلية.
والظاهر من كلام أمير المؤمنين (ع) يطابق ما يقوله أصحابنا، ألا تراه كيف علل قوله: لابد للناس من أمير، فقال في تعليله: يجمع به الفئ، ويقاتل به العدو وتؤمن به السبل، ويؤخذ للضعيف من القوى! وهذه كلها من مصالح الدنيا.
فإن قيل: ذكرتم أن الناس كافة قالوا بوجوب الامام، فكيف يقول أمير المؤمنين (ع) عن الخوارج إنهم يقولون: لا إمرة.
قيل: إنهم كانوا في بدء أمرهم يقولون ذلك، ويذهبون إلى أنه لا حاجة إلى الامام، ثم رجعوا عن ذلك القول لما أمروا عليهم عبد الله بن وهب الراسبي.