شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢ - الصفحة ٣٢٣
والكتمان، ويمكن أن يقال إنه كره استعداد نفسه، ولم يكره إعداد أصحابه، وهذان متغايران. وهذا الوجه اختاره القطب الراوندي.
ولقائل أن يقول: التعليل الذي علل به (ع) يقتضى كراهية الامرين معا، وهو أن يتصل بأهل الشام الاستعداد، فيرجعوا عن السلم إلى الحرب، بل ينبغي أن تكون كراهته لاعداد جيشه وعسكره خيولهم وآلات حربهم أولى، لان شياع ذلك أعظم من شياع استعداده وحده، لأنه وحده يمكن أن يكتم استعداده، وأما استعداد العساكر العظيمة، فلا يمكن أن يكتم، فيكون إتصاله وانتقاله إلى أهل الشام أسرع، فيكون، إغلاق الشام عن باب خير إن أرادوه أقرب والوجه في الجمع بين اللفظتين ما قدمناه.
وأما قوله (ع): ضربت أنف هذا الامر وعينه، فمثل تقوله العرب إذا أرادت الاستقصاء في البحث والتأمل والفكر، وإنما خص الانف والعين، لأنهما صورة الوجه، والذي يتأمل من الانسان إنما هو وجهه.
وأما قوله: ليس إلا القتال أو الكفر فلان النهى عن المنكر واجب على الامام، ولا يجوز له الاقرار عليه، فإن تركه فسق، ووجب عزله عن الإمامة.
وقوله: أو الكفر من باب المبالغة، وإنما هو القتال أو الفسق، فسمى الفسق كفرا تغليظا وتشديدا في الزجر عنه.
وقوله (ع): أوجد الناس مقالا، أي جعلهم واجدين له (1).
وقال الراوندي: أوجد هاهنا بمعنى أغضب. وهذا غير صحيح، لأنه لا شئ ينصب به مقالا إذا كان بمعنى أغضب. والوالي المشار إليه عثمان.

(1) عبارة ابن ميثم (أي جعل لهم بتلك الاحداث طرقا إلى القول عليه فقالوا.
(٣٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 328 ... » »»
الفهرست