لا تعرف هذا الحي من قريش وما خصوا به من الحسد! فوالله لو كان هذا الحسد يدرك بحساب لكان لقريش تسعة أعشاره، وللناس كلهم عشر، فقلت: مه يا مغيرة فإن قريشا بانت بفضلها على الناس. فلم نزل في مثل ذلك حتى انتهينا إلى رحل عمر فلم نجده، فسألنا عنه فقيل: قد خرج آنفا، فمضينا نقفو أثره، حتى دخلنا المسجد، فإذا عمر يطوف بالبيت، فطفنا معه، فلما فرغ دخل بيني وبين المغيرة، فتوكأ على المغيرة وقال: من أين جئتما؟ فقلنا: خرجنا نريدك يا أمير المؤمنين، فأتينا رحلك فقيل لنا: خرج إلى المسجد، فاتبعناك. فقال: اتبعكما الخير، ثم نظر المغيرة إلى وتبسم، فرمقه عمر، فقال: مم تبسمت أيها العبد! فقال من حديث كنت أنا وأبو موسى فيه آنفا في طريقنا إليك، قال:
وما ذاك الحديث؟ فقصصنا عليه الخبر حتى بلغنا ذكر حسد قريش، وذكر من أراد صرف لابن أبي بكر عن استخلاف عمر، فتنفس الصعداء ثم قال: ثكلتك أمك يا مغيرة!
وما تسعة أعشار الحسد! بل وتسعة أعشار العشر، وفي الناس كلهم عشر العشر، بل وقريش شركاؤهم أيضا فيه! وسكت مليا وهو يتهادى بيننا، ثم قال: ألا أخبركما بأحسد قريش كلها؟ قلنا: بلى يا أمير المؤمنين، قال: وعليكما ثيابكما، قلنا: نعم، قال: وكيف بذلك وأنتما ملبسان ثيابكما؟ قلنا يا أمير المؤمنين، وما بال الثياب؟ قال: خوف الإذاعة منها، قلنا له: أتخاف الإذاعة من الثياب أنت، وأنت من ملبس الثياب أخوف! وما الثياب أردت! قال: هو ذاك، ثم انطلق وانطلقنا معه حتى انتهينا إلى رحله، فخلى أيدينا من يده، ثم قال: لا تريما، ودخل فقلت للمغيرة: لا أبا لك! لقد أثرنا بكلامنا معه، وما كنا فيه وما نراه حبسنا إلا ليذاكرنا إياها، قال، فإنا لكذلك إذ أخرج إذنه إلينا، فقال:
ادخلا، فدخلنا فوجدناه مستلقيا على برذعة برحل، فلما رآنا تمثل بقول كعب بن زهير:
لا تفش سرك الا عند ذي ثقة * أولى وأفضل ما استودعت أسرارا (1)