كان متدينا به، معتقدا لصوابه، فان كثيرا من الناس يرضون بأشياء من حيث كانت دافعة لما هو أضر منها، وان كانوا لا يرونها صوابا، ولو ملكوا الاختيار لاختاروا غيرها، وقد علمنا أن معاوية كان راضيا ببيعة يزيد وولاية (1) العهد له من بعده، ولم يكن متدينا بذلك ومعتقدا صحته، وإنما رضى عمر ببيعة لابن أبي بكر، من حيث كانت حاجزة عن بيعة أمير المؤمنين عليه السلام، ولو ملك الاختيار لكان مصير الامر إليه (2) أسر في نفسه، وأقر لعينه، وان ادعى ان المعلوم ضرورة تدين عمر بامامة لابن أبي بكر، وأنه أولى بالإمامة منه، فهذا مدفوع أشد دفع، مع أنه قد كان يبدر من عمر (3) في وقت بعد آخر ما يدل على ما أوردناه، روى الهيثم (4) بن عدي من عبد الله بن عياش الهمداني (5) عن سعيد بن جبير، قال: ذكر أبو بكر وعمر عند عبد الله بن عمر، فقال رجل: كانا والله شمسي هذه الأمة ونوريها، فقال ابن عمر: وما يدريك؟ قال الرجل:
أوليس قد ائتلفا! قال ابن عمر: بل اختلفا لو كنتم تعلمون! أشهد أنى كنت عند أبي يوما، قد امرني أن أحبس الناس عنه، فاستأذن عليه عبد الرحمن بن أبي بكر فقال عمر:
دويبة سوء، ولهو خير من أبيه، فأوحشني ذلك منه، فقلت: يا أبت، عبد الرحمن خير من أبيه! فقال: ومن ليس بخير من أبيه لا أم لك! ائذن لعبد الرحمن، فدخل عليه فكلمه في الحطيئة الشاعر أن يرضى عنه، وقد كان عمر حبسه في شعر قاله، فقال عمر: ان في الحطيئة أودا (6) فدعني أقومه بطول حبسه، فألح عليه عبد الرحمن وأبى عمر،