فأما حديث الفلتة، فقد كان سبق من عمر ان قال: ان بيعة لابن أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه.
وهذا الخبر الذي ذكرناه عن ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف فيه حديث الفلتة ولكنه منسوق على ما قاله أولا، ألا تراه يقول: فلا يغرن أمرا ان يقول: ان بيعة لابن أبي بكر كانت فلتة، فلقد كانت كذلك، فهذا يشعر بأنه قد كان قال من قبل: ان بيعة لابن أبي بكر كانت فلتة. وقد أكثر الناس في حديث الفلتة، وذكرها شيوخنا المتكلمون، فقال شيخنا أبو علي رحمه الله تعالى: الفلتة ليست الزلة والخطيئة، بل هي البغتة وما وقع فجأة من غير روية ولا مشاورة، واستشهد بقول الشاعر:
من يأمن الحدثان بعد صبيرة القرشي ماتا (1) سبقت منيته المشيب وكان ميتته افتلاتا. يعنى بغتة.
وقال شيخنا أبو علي رحمه الله تعالى، ذكر الرياشي أن العرب تسمى آخر يوم من شوال فلتة من حيث إن كل من لم يدرك ثأره فيه فاته، لأنهم كانوا إذا دخلوا في الأشهر الحرم لا يطلبون الثأر، وذو القعدة من الأشهر الحرم، فسموا ذلك اليوم فلتة لأنهم إذا أدركوا فيه ثارهم، فقد أدركوا ما كان يفوتهم. فأراد عمر أن بيعة لابن أبي بكر تداركها بعد أن كادت تفوت.
وقوله (وقى الله شرها) دليل على تصويب البيعة، لان المراد بذلك أن الله تعالى دفع شر الاختلاف فيها.