وإن البغي والزور يزريان بالمرء في دينه ودنياه، فاحذر الدنيا، فإنه لا فرح في شئ وصلت إليه منها، ولقد علمت أنك غير مدرك ما قضي فواته، وقد رام قوم أمرا بغير الحق، وتأولوه (1) على الله عز وجل، فأكذبهم ومتعهم قليلا، ثم اضطرهم إلى عذاب غليظ، فاحذر يوما يغتبط فيه من حمد عاقبة عمله، ويندم فيه من أمكن الشيطان من قياده، (ولم يحاده) (2)، وغرته الدنيا واطمأن إليها، ثم إنك قد دعوتني إلى حكم القرآن، ولقد علمت أنك لست من أهل القرآن ولا حكمه تريد، والله المستعان، فقد أجبنا القرآن إلى حكمه، ولسنا إياك أجبنا، ومن لم يرض بحكم القرآن فقد ضل ضلالا بعيدا (3).
فكتب معاوية إلى علي عليه السلام:
أما بعد، عافانا الله وإياك، فقد آن لك أن تجيب إلى ما فيه صلاحنا وألفة بيننا، وقد فعلت الذي فعلت وأنا أعرف حقي، ولكني اشتريت بالعفو صلاح الأمة، ولم أكثر فرحا بشئ جاء ولا ذهب، وإنما أدخلني في هذا الامر القيام بالحق فيما بين الباغي والمبغي عليه، والامر بالمعروف والنهى عن المنكر، فدعوت إلى كتاب الله فيما بيننا وبينك، فإنه لا يجمعنا وإياك إلا هو، نحيي ما أحيا القرآن، ونميت ما أمات القرآن، والسلام (4).
* * * قال نصر: فكتب علي عليه السلام إلى عمرو بن العاص، يعظه ويرشده.