شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢ - الصفحة ٢٠٥
وقوله: " حتى ارتاب الناصح بنصحه، وضن الزند بقدحه "، يشير إلى نفسه، يقول:
خالفتموني حتى ظننت أن النصح الذي نصحتكم به غير نصح، ولإطباقكم وإجماعكم على خلافي، وهذا حق، لان ذا الرأي الصواب إذا كثر مخالفوه يشك في نفسه، وأما ضن الزند بقدحه، فمعناه أنه لم يقدح لي بعد ذلك رأي صالح، لشدة ما لقيت منكم من الاباء والخلاف والعصيان، وهذا أيضا حق، لان المشير الناصح إذا اتهم واستغش عمي قلبه وفسد رأيه.
وأخو هوازن صاحب الشعر هو دريد بن الصمة، والأبيات مذكورة في الحماسة، وأولها:
نصحت لعارض وأصحاب عارض * ورهط بني السوداء والقوم شهدي (1) فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج * سراتهم في الفارسي المسرد (2) أمرتهم أمري بمنعرج اللوى * فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد (3) فلما عصوني كنت منهم وقد أرى * غوايتهم وأنني غير مهتد وما أنا إلا من غزية إن غوت * غويت وإن ترشد غزية أرشد (4).

(١) ديوان الحماسة - بشرح المرزوقي (٢: ٨١٣). وكان من خبر هذا الشعر أن عبد الله - وهو اسم آخر لعارض وهو أخو دريد - كان أسود إخوته، فغزا ببني جشم وبني نصر ابني معاوية بن بكر بن هوازن، وغنم مالا عظيما بمنعرج اللوى، فمنعه دريد عن الليث، وقال: إن غطفان ليست بغافلة عنا، فحلف أنه لا يريم حتى يقسم، وأوقعوا بعبد الله وأصحابه، وقتل عبد الله، وجعل دريد يذب عنه وهو جريح. شرح التبريزي (٢: ٣٠٤).
(٢) ظنوا: قال المرزوقي: يجوز أن يكون معناه: ظنوا كل ظن قبيح بهم إذا غزوكم في أرضكم وعقر دياركم. ويجوز أن يكون معنى ظنوا أيقنوا، لان الظن يستعمل في اليقين، على حد قوله تعالى:
" الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم ". والمدجج: التام السلاح، من الدجة، وهي الظلمة.
وسراتهم: خيارهم، وعنى بالفارسي المسرد، الدروع.
(3) في الحماسة ذكر هذا البيت بعد تاليه.
(4) في الحماسة: " وهل أنا إلا من غزية رهطه.
(٢٠٥)
مفاتيح البحث: الظنّ (7)، القتل (1)، الجواز (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 200 201 202 203 204 205 206 207 208 209 210 ... » »»
الفهرست