عراقك، فنخلي بينك وبين العراق، ونرجع نحن إلى شامنا، فتخي بيننا وبين الشام (1).
فقال علي عليه السلام: (2) قد عرفت ما عرضت، إن هذه لنصيحة وشفقة (2)، ولقد أهمني هذا الامر وأسهرني، وضربت أنفه وعينه فلم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمد. إن الله تعالى ذكره لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون، لا يأمرون بمعروف، ولا ينهون عن منكر، فوجدت القتال أهون علي من معالجة في الأغلال في جهنم.
قال: فرجع الرجل (3) وهو يسترجع، وزحف الناس بعضهم إلى بعض فارتموا بالنبل والحجارة حتى فنيت، ثم تطاعنوا بالرماح حتى تكسرت واندقت. ثم مشى القوم بعضهم إلى بعض بالسيوف، وعمد الحديد، فلم يسمع السامعون إلا وقع الحديد بعضه على بعض، لهو أشد هولا في صدور الرجال من الصواعق، ومن جبال تهامة يدك بعضها بعضا، وانكسفت الشمس بالنقع، وثار القتام والقسطل (4)، وضلت الألوية والرايات، وأخذ الأشتر يسير فيما بين الميمنة والميسرة، فيأمر كل قبيلة أو كتيبة من القراء بالاقدام على التي تليها، فاجتلدوا بالسيوف وعمد الحديد، من صلاة الغداة من اليوم المذكور إلى نصف الليل، لم يصلوا لله صلاة، فلم يزل الأشتر يفعل ذلك حتى أصبح والمعركة خلف ظهره، وافترقوا عن سبعين ألف قتيل في ذلك اليوم، وتلك الليلة وهي ليلة الهرير المشهورة. وكان الأشتر في ميمنة الناس، وابن عباس في الميسرة، وعلي عليه السلام في القلب، والناس يقتتلون.
ثم استمر القتال من نصف الليل الثاني إلى ارتفاع الضحى، والأشتر يقول لأصحابه