أيها الناس، قد بلغ بكم الامر وبعدوكم ما قد رأيتم، ولم يبق منهم إلا آخر نفس، وإن الأمور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأولها، وقد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغنا منهم ما بلغنا، وأنا غاد عليهم بالغداة أحاكمهم إلى الله.
قال: فبلغ ذلك معاوية، فدعا عمرو بن العاص، وقال: يا عمرو، إنما هي الليلة، حتى يغدو علي علينا بالفيصل (1)، فما ترى؟
قال: إن رجالك لا يقومون لرجاله، ولست مثله، هو يقاتلك على أمر وأنت تقاتله على غيره، أنت تريد البقاء، وهو يريد الفناء، وأهل العراق يخافون منك إن ظفرت بهم، وأهل الشام لا يخافون عليا إن ظفر بهم، ولكن ألق إلى القوم أمرا إن قبلوه اختلفوا، وإن ردوه اختلفوا، ادعهم إلى كتاب الله حكما فيما بينك وبينهم، فإنك بالغ به حاجتك في القوم، وإني لم أزل أؤخر هذا الامر لوقت حاجتك إليه.
فعرف معاوية ذلك وقال له: صدقت.
* * * قال نصر: وحدثنا عمرو بن شمر عن جابر بن عمير (3) الأنصاري، قال: والله لكأني أسمع عليا يوم الهرير، وذلك بعد ما طحنت رحا مذحج، فيما بينها وبين عك ولخم وجذام والأشعريين بأمر عظيم تشيب منه النواصي، حتى (4 استقلت الشمس، وقام قائم الظهر 4)، وعلي عليه السلام يقول لأصحابه: حتى متى نخلي بين هذين الحيين!
قد فنيا وأنتم وقوف تنظرون! أما تخافون مقت الله! ثم انفتل (5) إلى القبلة، ورفع