قال نصر بن مزاحم: فخطب الناس بالكوفة، وهي أول خطبة خطبها بعد قدومه من حرب الخوارج، فقال:
أيها الناس استعدوا لقتال عدو في جهادهم القربة إلى الله عز وجل، ودرك الوسيلة عنده، قوم حيارى عن الحق لا يبصرونه، موزعين (1) بالجور والظلم لا يعدلون به، جفاة عن الكتاب، نكب عن الدين، يعمهون في الطغيان، ويتسكعون في غمرة الضلال، فأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل، وتوكلوا على الله، وكفى بالله وكيلا.
قال: فلم ينفروا ولم ينشروا (2)، فتركهم أياما، ثم خطبهم، فقال: أف لكم! لقد سئمت عتابكم. أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة عوضا... الفصل الذي شرحناه آنفا إلى آخره. وزاد فيه: " أنتم أسود الشرى في الدعة، وثعالب رواغة حين البأس، إن أخا الحرب اليقظان، ألا إن المغلوب مقهور ومسلوب ".
* * * وروى الأعمش عن الحكم بن عتيبة، عن قيس بن أبي حازم، قال: سمعت عليا عليه السلام على منبر الكوفة، وهو يقول:
يا أبناء المهاجرين، انفروا إلى أئمة الكفر، وبقية الأحزاب، وأولياء الشيطان. انفروا إلى من يقاتل على دم حمال الخطايا، فوالله الذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، إنه ليحمل خطاياهم إلى يوم القيامة لا ينقص من أوزارهم شيئا.
قلت: هذا قيس بن أبي حازم، وهو الذي روى حديث " إنكم لترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته "، وقد طعن مشايخنا المتكلمون فيه، وقالوا: إنه فاسق، ولا تقبل روايته، لأنه قال: إني سمعت عليا يخطب على منبر الكوفة،