مؤمن، ولا يحبني كافر، وقد خاب من حمل ظلما. والله لتصبرن يا أهل الكوفة على قتال عدوكم أو ليسلطن الله عليكم قوما أنتم أولى بالحق منهم، فليعذبنكم! أفمن قتله بالسيف تحيدون إلى موتة على الفراش! والله لموتة على الفراش أشد من ضربة ألف سيف.
قلت: ما أحسن قول أبي العيناء، وقد قال له المتوكل: إلى متى تمدح الناس وتهجوهم!
فقال: ما أحسنوا وأساءوا. وهذا أمير المؤمنين عليه السلام، وهو سيد البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، يمدح الكوفة وأهلها عقيب الانتصار على أصحاب الجمل، بما قد ذكرنا بعضه، وسنذكر باقيه، مدحا ليس باليسير ولا بالمستصغر، ويقول للكوفة عند نظره إليها: أهلا بك وبأهلك! ما أرادك جبار بكيد إلا قصمه الله. ويثني عليها وعلى أهلها حسب ذمه للبصرة وعيبه لها ودعائه عليها وعلى أهلها، فلما خذله أهل الكوفة يوم التحكيم، وتقاعدوا عن نصره على أهل الشام، وخرج منهم الخوارج، ومرق منهم المراق، ثم استنفرهم بعد فلم ينفروا، واستصرخهم فلم يصرخوا (1)، ورأي منهم دلائل الوهن، وإمارات الفشل، انقلب ذلك المدح ذما (2)، وذلك الثناء استزاده وتقريعا وتهجينا.
وهذا أمر مركوز في طبيعة البشر، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله كذلك، والقرآن العزيز أيضا كذلك، أثنى على الأنصار لما نهضوا، وذمهم لما قعدوا في غزاة تبوك، فقال: " فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله... " (2) الآيات، إلى أن رضي الله عنهم، فقال: " وعلى