شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢ - الصفحة ١٩٢
ويمكن أن تكون الرواية صحيحة، والخطاب عام لكل من أمكن من نفسه، فلا منافاة بينهما.
وقد نظمت أنا هذه الألفاظ في أبيات كتبتها إلى صاحب لي في ضمن مكتوب اقتضاها، وهي:
إن امرأ أمكن من نفسه * عدوه يجدع آرابه (1) لا يدفع الضيم ولا ينكر الذل * ولا يحصن جلبابه لفائل الرأي ضعيف القوى * قد صرم الخذلان أسبابه أنت فكن ذاك فإني امرؤ * لا يرهب الخطب إذا نابه إن قال دهر لم يطع أو شحا * له فم أدرد أنيابه (2) أو سامه الخسف لابن أبي وانتضى * دون مرام الخسف قرضا به (3) أخزر غضبان شديد السطا * يقدر أن يترك ما رابه.
خطب أمير المؤمنين عليه السلام بهذه الخطبة، بعد فراغه من أمر الخوارج، وقد كان قام بالنهروان، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: أما بعد، فإن الله قد أحسن نصركم، فتوجهوا من فوركم هذا إلى عدوكم من أهل الشام.
فقاموا إليه، فقالوا: يا أمير المؤمنين، نفدت نبالنا، وكلت سيوفنا، وانصلتت (4) أسنة رماحنا، وعاد أكثرها قصدا (5). ارجع بنا إلى مصرنا، نستعد بأحسن عدتنا، ولعل أمير المؤمنين يزيد في عددنا مثل من هلك منا، فإنه أقوى لنا على عدونا.

(1) آرابه: جمع إرب، وهو العضو.
(2) شحا فاه: فتحة. والدرد: سقوط الأسنان.
(3) القرضاب: السيف.
(4) انصلتت: انجردت.
(5) قصد: جمع قصدة، وهي الكرة من القناة أو الرمح.
(١٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 ... » »»
الفهرست