أما ما ذكرت من عملنا وسيرتنا بالعدل، فإن الله عز وجل يقول: " من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد " (1) وأنا من أن أكون مقصرا فيما ذكرت أخوف.
وأما ما ذكرت من أن الحق ثقل عليهم ففارقونا لذلك، فقد علم الله أنهم لم يفارقونا من جور، ولا لجأوا إذ فارقونا إلى عدل، ولم يلتمسوا إلا دنيا زائلة عنهم كان قد فارقوها، وليسألن يوم القيامة: أللدنيا أرادوا أم لله عملوا؟
وأما ما ذكرت من بذل الأموال واصطناع الرجال، فإنه لا يسعنا أن نؤتي امرأ من الفئ أكثر من حقه، وقد قال الله سبحانه وتعالى وقوله الحق: " كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين " (2) وقد بعث الله محمدا صلى الله عليه وحده، فكثره بعد القلة، وأعز فئته بعد الذلة، وإن يرد الله أن يولينا هذا الامر يذلل لنا صعبه، ويسهل لنا حزنه، وأنا قابل من رأيك ما كان لله عز وجل رضا، وأنت من آمن الناس عندي، وأنصحهم لي، وأوثقهم في نفسي إن شاء الله.
* * * وذكر الشعبي، قال: دخلت الرحبة بالكوفة - وأنا غلام - في غلمان، فإذا أنا بعلي عليه السلام قائما على صبرتين (3) من ذهب وفضة، ومعه مخفقة، وهو يطرد الناس بمخفقته ثم يرجع إلى المال فيقسمه بين الناس، حتى لم يبق منه شئ، ثم انصرف ولم يحمل إلى بيته قليلا ولا كثيرا. فرجعت إلى أبي، فقلت له: لقد رأيت اليوم خير الناس أو أحمق الناس. قال: من هو يا بني، قلت: علي بن أبي طالب أمير المؤمنين، رأيته يصنع كذا، فقصصت عليه، فبكى، وقال: يا بني بل رأيت خير الناس.
* * *