وبقي رجال غض أبصارهم ذكر المرجع، وأراق دموعهم خوف المحشر، فهم بين شريد ناد، وخائف مقموع، وساكت مكعوم، وداع مخلص، وثكلان موجع، قد أخملتهم التقية، وشملتهم الذلة، فهم في بحر أجاج، أفواههم ضامزة، وقلوبهم قرحة، قد وعظوا حتى ملوا، وقهروا حتى ذلوا، وقتلوا حتى قلوا.
فلتكن الدنيا في أعينكم أصغر من حثالة القرظ، وقراضة الجلم. واتعظوا بمن كان قبلكم، قبل أن يتعظ بكم من بعدكم، وارفضوها ذميمة، فإنها قد رفضت من كان أشغف بها منكم.
* * * قال الرضي رحمه الله:
وهذه الخطبة ربما نسبها من لا علم له إلى معاوية، وهي من كلام أمير المؤمنين عليه السلام الذي لا يشك فيه. وأين الذهب من الرغام! وأين العذب من الأجاج! وقد دل على ذلك الدليل الخريت، ونقده الناقد البصير، عمرو بن بحر الجاحظ، فإنه ذكر هذه الخطبة في كتاب " البيان والتبيين " (1) وذكر من نسبها إلى معاوية. ثم تكلم من بعدها بكلام في معناها، جملته أنه قال: وهذا الكلام بكلام علي عليه السلام