بخل واستغنى. وكذب بالحسنى. فسنيسره للعسرى " (1)، فقابل بين " أعطى " و " بخل " ولم يقابل بين " اتقى " و " استغنى "، ومثل هذا في القرآن العزيز كثير، وأكثر من الكثير.
وقد بان الآن أن التقسيم الأول فاسد، وأنه لا مقابلة إلا بين الأضداد وما يجري مجراها.
وأما مقابلة الجملة بالجملة في تقابل المتماثلين، فإنه إذا كانت إحداهما في معنى الأخرى وقعت المقابلة، والأغلب أن تقابل الجملة الماضية بالماضية، والمستقبلة بالمستقبلة.
وقد تقابل الجملة الماضية بالمستقبلة، فمن ذلك قوله تعالى: " قل إن ضللت فإنما أضل على نفسي وإن اهتديت فبما يوحي إلي ربي " (2)، فإن هذا تقابل من جهة المعنى، لأنه لو كان من جهة اللفظ لقال: " وإن اهتديت فإنما أهتدي لها ".
ووجه التقابل المعنوي هو أن كل ما على النفس فهو بها، أعني كل ما هو عليها وبال وضرر فهو منها وبسببها، لأنها الامارة بالسوء، وكل ما لها مما ينفعها فهو بهداية ربها وتوفيقه لها.
ومن ذلك قوله تعالى: " ألم يروا إنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا " (3)، فإنه لم يراع التقابل اللفظي، ولو راعاه لقال: والنهار ليبصروا فيه، وإنما المراعاة لجانب المعنى، لان معنى " مبصرا " ليبصروا فيه طرق التقلب في الحاجات.
وأما مقابلة المخالف، فهو على وجهين:
أحدهما: أن يكون بين المقابل والمقابل نوع مناسبة وتقابل، كقول القائل:
يجزون من ظلم أهل الظلم مغفرة * ومن إساءة أهل السوء إحسانا.