فقابل الظلم بالمغفرة، وهي مخالفة له، ليست مثله ولا ضده، وإنما الظلم ضد العدل، إلا أنه لما كانت المغفرة قريبة من العدل حسنت المقابلة بينها وبين الظلم، ونحو هذا قوله تعالى: " أشداء على الكفار رحماء بينهم " (1)، فإن الرحمة ليست ضدا للشدة، وإنما ضد الشدة اللين، إلا أنه لما كانت الرحمة سببا للين حسنت المقابلة بينها وبين الشدة.
وكذلك قوله تعالى: " إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا " (2)، فإن المصيبة أخص من السيئة، فالتقابل هاهنا من جهة العموم والخصوص.
الوجه الثاني: ما كان بين المقابل والمقابل بعد، وذلك مما لا يحسن استعماله، كقول امرأة من العرب لابنها، وقد تزوج بامرأة غير محمودة:
تربص بها الأيام عل صروفها * سترمي بها في جاحم متسعر (3) فكم من كريم قد مناه إلهه * بمذمومة الأخلاق واسعه الحر.
ف " مذمومة " ليست في مقابلة " واسعة "، ولو كانت قالت: " بضيقة الأخلاق "، كانت المقابلة صحيحة، والشعر مستقيما. وكذلك قول المتنبي:
لمن تطلب الدنيا إذا لم ترد بها * سرور محب أو مساءة مجرم! (4) فالمقابلة الصحيحة بين المحب والمبغض، لا بين المحب والمجرم.
قلت: إن لقائل أن يقول: هلا قلت في هذا ما قلت في السيئة والمصيبة! ألست القائل إن: التقابل حسن بين المصيبة والسيئة، لكنه تقابل العموم والخصوص! وهذا الموضع مثله أيضا، لان كل مبغض لك مجرم إليك، لان مجرد البغضة جرم، ففيهما عموم وخصوص.
بل لقائل أن يقول: كل مجرم مبغض، وكل مبغض مجرم، وهذا صحيح مطرد.