فاجتمع إليه الناس من كل كوره (1) وأرادوا المسير إلى صفين، فاستشارهم، وقال:
إن عليا قد خرج من الكوفة، وعهد العاهد به أنه فارق النخيلة (2).
فقال حبيب بن مسلمة: فإني أرى أن نخرج حتى ننزل منزلنا الذي كنا فيه، فإنه منزل مبارك، وقد متعنا الله به وأعطانا من عدونا فيه النصف.
وقال عمرو بن العاص: إني أرى لك أن تسير بالجنود حتى توغلها في سلطانهم من أرض الجزيرة، فإن ذلك أقوى لجندك، وأذل لأهل حربك. فقال معاوية: والله إني لأعرف أن الذي تقول كما تقول، ولكن الناس لا يطيقون ذلك. قال عمرو: إنها أرض رفيقة، فقال معاوية: إن جهد الناس أن يبلغوا منزلهم الذي كانوا به - يعني صفين.
فمكثوا يجيلون الرأي يومين أو ثلاثة، حتى قدمت عليهم عيونهم: أن عليا اختلف عليه أصحابه ففارقته منهم فرقة أنكرت أمر الحكومة، وأنه قد رجع عنكم إليهم.
فكبر الناس سرورا لانصرافه عنهم، وما ألقى الله عز وجل من الخلاف بينهم. فلم يزل معاوية معسكرا في مكانه، منتظرا لما يكون من علي وأصحابه، وهل يقبل بالناس أم لا؟
فما برح حتى جاء الخبر أن عليا قد قتل أولئك الخوارج، وأنه أراد بعد قتلهم أن يقبل بالناس، وأنهم استنظروه ودافعوه، فسر بذلك هو ومن قبله من الناس.
قال: وروى ابن أبي سيف (3)، عن يزيد بن يزيد بن جابر، عن عبد الرحمن بن مسعدة الفزاري قال: جاءنا كتاب عمارة بن عقبة بن أبي معيط، وكان بالكوفة مقيما، ونحن معسكرون مع معاوية، نتخوف أن يفرغ علي من الخوارج ثم يقبل إلينا، ونحن نقول: إن أقبل إلينا كان أفضل المكان الذي نستقبله به، المكان الذي لقيناه فيه العام الماضي. فكان في كتاب عمارة بن عقبة: أما بعد: فإن عليا خرج عليه قراء