شرح نهج البلاغة - ابن أبي الحديد - ج ٢ - الصفحة ١٠٦
وقال أبو تمام:
ما إن ترى الأحساب بيضا وضحا * إلا بحيث ترى المنايا سودا (1).
(وكذلك قال من هذه القصيدة أيضا) (2):
شرف على أولى الزمان وإنما * خلق المناسب ما يكون جديدا (3).
وإما القسم الثاني من القسم الأول، وهو مقابلة الشئ بضده بالمعنى لا باللفظ، فكقول المقنع الكندي:
لهم جل مالي إن تتابع لي غنى * وإن قل مالي لا أكلفهم رفدا (4).
فقوله: " إن تتابع لي غنى " في قوة قوله: " إن كثر مالي "، والكثرة ضد القلة، فهو إذن مقابل بالمعنى لا باللفظ بعينه.
ومن هذا الباب قول البحتري:
تقيض لي من حيث لا أعلم النوى * ويسري إلي الشوق من حيث أعلم (5).
فقوله: " لا أعلم " ليس ضدا لقوله: " أعلم "، لكنه نقيض له، وفي قوة قوله:
" أجهل "، والجهل ضد العلم.
ومن لطيف ما وقعت المقابلة به من هذا النوع قول أبي تمام:
بها الوحش إلا أن هاتا أوانس * قنا الخط إلا أن تلك ذوابل (6)

(1) ديوانه 1: 423.
(2) تكملة من كتاب المثل السائر.
(3) ديوانه 1: 419.
(4) ديوان الحماسة - بشرح المرزوقي 2: 1180.
(5) ديوانه 3: 116، قال الصولي في شرحه يقول: هن كبقر الوحش في تهاديهن وحسن عيونهن، وهن كقنا الخط في القد، إلا أن القنا ذوابل، وهن طراء، وقيل للقنا: ذوابل، لأنها تلين عند الطعن فلا تنكسر.
(١٠٦)
مفاتيح البحث: الجهل (1)، الغنى (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»
الفهرست