خوفا على نفسه منهم. كقوله: أعوذ بالله من رأس الستين وإمارة الصبيان يشير إلى خلافة يزيد بن معاوية لأنها كانت سنة ستين من الهجرة واستجاب الله دعاء أبي هريرة فمات قبلها بسنة.
وقال ابن المنير: " وجعل الباطنية هذا الحديث ذريعة إلى تصحيح باطلهم حيث اعتقدوا أن للشريعة ظاهر وباطنا وذلك الباطن إنما حاصله الانحلال من الدين، قال: وإنما أراد أبو هريرة بقوله: " قطع " أي أهل الجور رأسه إذا سمعوا عيبه لفعلهم وتضليله، ويؤيد ذلك أن الأحاديث المكتوبة لو كانت من الأحكام الشرعية ما وسعه كتمانها لما ذكره في الحديث الأول من الآية الدالة على ذم من كتم العلم، وقال غيره: يحتمل أن يكون أراد مع الصنف المذكور ما يتعلق بأشراط الساعة وتغير الأحوال والملاحم في آخر الزمان فينكر ذلك من لم يألفه ويعترض عليه من لا شعور له به " (1).
قلت: وكثرة رواياته لخير دليل على صدق ما ذكره من حفظه ولا مجال للشك فيه أصلا وقد شهد له بذلك الصحابة والتابعون وأتباعهم وهلم جرا من النقاد وعلماء المسلمين.
قال ابن عمر رضي الله عنهما: يا أبا هريرة كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأحفظنا وأعرفنا بحديثه " (2). وقال طلحة: " قد سمعنا كما سمع ولكنه حفظ ونسينا... (3).
قال محمد بن عمارة بن حزم أنه قعد في مجلس فيه مشيخة من الصحابة بضعة عشر رجلا فجعل أبو هريرة يحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديث فلا يعرفه بعضهم، فيراجعون فيه حتى يعرفوه، ثم يحدثهم بالحديث كذلك حتى فعل مرارا فعرفت يومئذ أن أبا هريرة أحفظ الناس " (4).