عليه وسلم وكبار أصحابه رضي الله عنهم من التقلل من الدنيا وما ابتلوا به من الجوع وضيق العيش في أوقات وقد زعم بعض الناس أن هذا كان قبل فتح الفتوح والقرى عليهم وهذا زعم باطل فان راوي الحديث أبو هريرة ومعلوم أنه أسلم بعد فتح خيبر فان قيل لا يلزم من كونه رواه أن يكون أدرك القضية فلعله سمعها من النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره فالجواب أن هذا خلاف الظاهر ولا ضرورة إليه بل الصواب خلافه وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يتقلب في اليسار والقلة حتى توفى صلى الله عليه وسلم فتارة يوسر وتارة ينفد ما عنده كما ثبت في الصحيح عن أبي هريرة خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير وعن عائشة ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من طعام ثلاث ليال تباعا حتى قبض وتوفى صلى الله عليه وسلم وذرعه مرهونة على شعير استدانه لأهله وغير ذلك مما هو معروف فكان النبي صلى الله عليه وسلم في وقت يوسر ثم بعد قليل ينفد ما عنده لاخراجه في طاعة الله من وجوه البر وإيثار المحتاجين وضيافة الطارقين وتجهيز السرايا وغير ذلك وهكذا كان خلق صاحبيه رضي الله عنهما بل أكثر أصحابه وكان أهل اليسار من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم مع برهم له صلى الله عليه وسلم وإكرامهم إياه واتحافه بالطرف وغيرهما ربما لم يعرفوا حاجته في بعض الأحيان لكونهم لا يعرفون فراغ ما كان عنده من القوت بإيثاره به ومن علم ذلك منهم ربما كان ضيق الحال في ذلك الوقت كما جرى لصاحبيه ولا يعلم أحد من الصحابة علم حاجة النبي صلى الله عليه وسلم وهو متمكن من إزالتها الا بادر إلى إزالتها لكن كان صلى الله عليه وسلم يكتمها عنهم إيثارا لتحمل المشاق وحملا عنهم وقد بادر أبو طلحة حين قال سمعت صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرف فيه الجوع إلى إزالة تلك الحاجة وكذا حديث جابر وسنذكرهما بعد هذا إن شاء الله تعالى وكذا حديث أبي شعيب الأنصاري الذي سبق في الباب قبله أنه عرف في وجهه صلى الله عليه وسلم الجوع فبادر بصنيع الطعام وأشباه هذا كثيرة في الصحيح مشهورة وكذلك كانوا يؤثرون بعضهم بعضا ولا يعلم أحد منهم ضرورة صاحبه الا سعى في إزالتها وقد وصفهم الله سبحانه بذلك فقال تعالى على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة تعالى
(٢١١)