يا كميل إن هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها (6) إحفظ عني ما أقول لك (7)، الناس ثلاثة: عالم رباني (8) ومتعلم على سبيل نجاة وهمج رعاع، أتباع كل ناعق (9)
(٦) أي أحفظها للعلم، وأجمعها ضبطا للحكم والمعارف، وأشدها وعيا للاسرار، وهذا تمهيد وتوطئة منه (ع) لاقبال كميل بكله إليه، وصرفه عمن عداه، ليتحفظ على ما يلقيه إليه، ويلقنه به، ولا يتفلت منه شئ مما أوصاه وأخبره به، من فرائد الحكم، وجواهر الكلم، والأوعية جمع الوعاء، وهو الظرف وما أعد لان يوضع فيه الشئ.
(7) وفى العقد الفريد والنهج: فاحفظ عني ما أقول لك الخ، وهو أظهر.
(8) وفى الارشاد والنهج: فعالم رباني، الخ.
(9) أقول: الرباني منسوب إلى الرب - بزيادة الألف والنون للمبالغة في النسبة على خلاف القياس كالرقباني - ولعل وجه نسبته إلى الرب انه جمع بين العلم بالله وبما يليق بذاته المقدسة، وبين العمل بما يحب الله ويرضاه وقال الجوهري والفيروز آبادي: الرباني: المتأله العارف بالله تعالى.
وقال الطبرسي (ره): الرباني هو الذي يرب أمر الناس بتدبيره واصلاحه.
وقال في الكشاف: الرباني هو شديد التمسك بدين الله تعالى وطاعته.
والهمج - محركة جمع همجة بالتحريك أيضا -: الحمقى ورذال الناس ورعاعهم، والرعاع - كسحاب -: هم السفلة والأنذال والاحداث الطغام من الناس، وهو كالتفسير لقوله (ع): همج. وأيضا يقال لضرب من البعوض:
الهمج، وكذلك للذباب الصغير الذي يقع على وجوه الغنم والحمير وأعينهما، قيل: ويستعار للاسقاط والجهلة من الناس.
والنعيق: صوت الراعي بغنمه، ولصوت الغراب أيضا يقال: النعيق وفى افراد القسمين الأولين، وجمع القسم الثالث ايماء إلى قلتهما وكثرة القسم الثالث.
ومراده (ع) ان القسم الثالث - وهم السواد الأعظم - لعدم تمييزهم بين الحق والباطل، والصدق والكذب، يتبعون كل داع ويعتقدون بكل مدع، ويصغون إلى كل صوت، ولو كان لراعي الانعام والمواشي، المنهمك في غواشي الجهالة والضلالة، والجمل التالية لقوله (ع): اتباع كل ناعق - إلى قوله:
ولم يلجأوا إلى ركن وثيق - صفات توضيحية، وبيان لما يلازم الموصوف في الخارج وعالم الدنيا.