لأنس بك. قال: ما كنت أعرف أحدا يعرف ربه فيأنس بغيره.
وقال بعض العلماء: إنما يستوحش الانسان من نفسه لخلو ذاته عن الفضيلة، فيتكثر حينئذ بملاقاة الناس ويطرد الوحشة عن نفسه بهم، فإذا كانت ذاته فاضلة طلب الوحدة ليستعين بها على الفكرة، ويستخرج العلم والحكمة. وكان يقال: الاستئناس بالناس من علامات الافلاس.
وكان الفضيل جالسا وحده في المسجد، فجاء إليه أخ له، فقال:
ما جاء بك. قال: المؤانسة. قال: هي والله بالمواحشة أشبه، هل تريد الا أن تتزين لي وأتزين لك، وتكذب لي واكذب لك، اما ان تقوم عني واما أن أقوم عنك. وقال بعضهم: ما أحب الله عبدا الا أحب ألا يشعر به خلقه.
وقال ابن السماك: كتب الينا صاحب لنا: أما بعد فان الناس كانوا دواء يتداوى به، فصاروا داء لا دواء لهم، ففر منهم فرارك من الأسد.
وكان بعضهم يلازم الدفاتر والمقابر، فقيل له في ذلك، قال: لم أر أسلم من الوحدة، ولا أوعظ من قبر، ولا أمتع من دفتر.
وقال بعض الصالحين: كان الناس ورقا لا شوك فيه، فالناس اليوم شوك لا ورق فيه. وقال سفيان عيينة: قال لي سفيان الثوري في اليقظة في حياته، وفي المنام بعد مماته: أقلل معرفة الناس، فان التخلص منهم شديد، ولا أحسبني رأيت ما اكره الا ممن عرفت.
وقال أبو الدرداء: اتقوا الله واحذروا الناس فإنهم ما ركبوا ظهر بعير ألا ادبروه، ولا ظهر جواد الا عقروه، ولا قلب مؤمن الا أخربوه.
وقال بعضهم أقلل المعارف فإنه أسلم لدينك وقلبك، واخف لظهرك وأدعى إلى سقوط الحق عنك، لأنه كلما كثرت المعارف كثرت الحقوق