وما أحلى في المقام ما ذكره بعضهم في وصية حيث قال:
ينبغي للعاقل ان يعامل كل أحد في الظاهر معاملة الصديق، وفي الباطن معاملة العدو في التحفظ منه والتحرز، وليكن التحرز من صديقه أشد مما يكون في التحرز عن عدوه، وان يعذر الناس في مباحثهم وادراكاتهم فان ذلك على حسب عقولهم، وان يضبط نفسه عن المراء والاستخفاف بأبناء زمانه، وان لا يبحث الا مع من اجتمعت فيه شرائط الديانة والفهم والمزاولة لما يبحث، وان لا يغضب على من لا يفهم مراده، ومن لا يدرك ما يدركه، وان لا يقدم على تخطئة أحد ببادي الرأي، ولا يعرض بذكر أهله، ولا يجري ذكر حرمه بحضرة جليسه، وان لا يركن على أحد الا على الله تعالى، وان يكثر من مطالعة التواريخ فإنها تلقح عقلا جديدا، وأنشد:
أرحت روحي من الايناس بالناس * لما غنيت عن الأكياس بالياس وصرت في البيت وحدي لا أرى أحدا * بنات فكري وكتبي كان جلاسي وقال آخر:
أيا رب ان الناس لا ينصفونني * وكيف ولو أنصفتهم ظلموني وإن كان لي شئ تصدوا لأخذه * وان جئت أبغي منهم منعوني وان نالهم بدلي فلا شكر عندهم * وان انا لم أبذل لهم شتموني وان طرقتني نقمة فرحوا بها * وان صحبتني نعمة حسدوني سأمنع قلبي ان يحن إليهم * واحجب عنهم ناظري وجفوني وقال بعضهم:
انست بوحدتي ولزمت بيتي * فطاب الانس بي وصفا السرور وأدبني الزمان ولا أبالي * بأني لا أزار ولا أزور ولست بسائل ما عشت يوما * أسار الجند أم ركب الأمير