يصلح منها لعصر، قد لا يصلح لعصر آخر، وما تصح به حياة الناس في عهد، قد تفسد به حياتهم في عهد ثان، وأنهم لو ساسوا الناس في أيامهم بما ساس به عمر بن الخطاب الناس في أيامه، لساءت أحوالهم، والتوت حياتهم، وتعطلت منافعهم، واهتضمت حقوقهم. ولذلك كانوا يرون أن من واجب الخليفة أن ينظر في أمور أهل عصره، ويقدر السياسة التي تحقق مصالحهم، وتحفظ أمنهم.
وكان عبد الملك بن مروان أهم من شرح رأيهم في هذه المسألة، إذ يقول لثعلبة بن أبي مالك القرظي المدني، وقد حج سنة خمس وسبعين (1): " أين الناس الذين كان يسير فيهم عمر بن الخطاب والناس اليوم، يا ثعلبة، إني رأيت سيرة السلطان تدور مع الناس، إن ذهب اليوم رجل يسير بتلك السيرة، أغير على الناس في بيوتهم، وقطعت السبل، وتظالم الناس، وكانت الفتن، فلا بد للوالي أن يسير في كل زمان بما يصلحه ".
تخوف الأمويين من ثورة الناس وكان الخلفاء الأمويون يخشون أن يندد أهل الشام بسياستهم، ويشهروا بممارساتهم ويثوروا على خلافتهم ويسعوا للتطويح بدولتهم، إذا هم أباحوا لهم الاطلاع على سيرة الخلفاء الرشدين، وسمحوا لهم بروايتها، وتغافلوا عن تمثلهم بها، وتعاضوا عن مقارنتهم بينها وبين سيرة الخلفاء الأمويين وكان عبد الملك بن مروان ممن خاف عواقب ذلك منهم، فصرف أهل الشام عن تناقل لسيرة عمر بن الخطاب، ومنعهم من الخوض فيها، وحرم عليه التنويه بها.