وكان أبو إدريس عائذ الله بن عبد الله الحولاني الدمشقي المتوفى سنة ثمانين (1) من علماء أهل الشام وقرائهم، ومن عبادهم وفقهائهم، " وكان واعظ أهل دمشق وقاصهم وقاضيهم (2) " في خلافة عبد الملك بن مروان، فعزله عن القصص، وأقره على القضاء، فقال (3): عزلتموني عن رغبتي، وتركتموني في رهبتي ". ويبدو أنه عزله عن القصص لأنه هاجم الخلفاء الأمويين، وطعن عليهم، وربما أشار إلى خروجهم على السنة، وذكر مخافتهم لها، فإنه كان يتمسك بها أوثق التمسك، ويصدر عنها أدق الصدور، وكان لا يسكت عن الضلالة أقصر السكوت، ولا يصبر عليها أقل الصبر، بل كان يرفضها أشد الرفض، وينكرها أقوى الإنكار، وكان يجد في محوها واستئصالها أعظم الجد، ويشمر لإزالتها وإبطالها أصدق التشمير.
طمس ماضي الأمويين في أول الإسلام وكان الخلفاء الأمويون يعلمون أنهم ليس لهم نصيب من المغازي والسير، لأنهم صدوا عن سبيل الله، وناصبوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) العداء، وصبوا عليه وعلى من آمن برسالته أصناف العذاب، وقتل منهم من قتل وهم يدافعون عن أوثانهم وسلطانهم في أول الدعوة، ولم يدخلوا في الإسلام إلا بعد فتح مكة،