وابن عساكر والذهبي وابن حجر؟ كلا فإنهم هم الذين وصفوه بالكذب ورموه بالزندقة! وقد مر علينا في وقعة ذات السلاسل قول الطبري وابن الأثير وابن خلدون في تواريخهم: أن ما ذكره سيف فيها خلاف ما يعرفه أهل السير! إذا فما الذي دعاهم إلى اعتماد روايات سيف دون غيرها مع علمهم بكذبه وزندقته، إن هو إلا أن سيفا حلى مفترياته بإطار من نشر مناقب الصحابة فبذل العلماء وسعهم في نشرها وترويجها مع علمهم بكذبها. ففي فتوح العراق - مثلا - أورد مفترياته تحت شعار مناقب خالد بن الوليد، فقد وضع على لسان أبي بكر أنه قال - بعد معركة أليس وهدم مدينة أمغيشيا -:
" يا معشر قريش! عدا أسدكم على الأسد فغلبه على خراذيله، أعجزت النساء أن ينشئن مثل خالد ".
كما زين ما اختلق في معارك الردة بإطار من مناقب الخليفة أبي بكر، وكذلك فعل في ما روى واختلق عن فتوح الشام وإيران على عهد عمر، والفتن في عصر عثمان، ووقعة الجمل في عصر علي، فإنه زينها جميعا بإطار من مناقب الصحابة، فراجت وشاعت ونسيت الروايات الصحيحة - عدا روايات سيف - وأهملت على أنه ليس في ما وضعه سيف واختلق - على الأغلب - فضيلة للصحابة، بل فيه مذمة لهم، ولست أدري كيف خفي على هؤلاء أن جلب خالد عشرات الألوف من البشر وذبحهم على النهر ليجري نهرهم بدمائهم ليست فضيلة له، ولا هدمه مدينة أمغيشيا ولا نظائرها إلا على رأي الزنادقة في الحياة من أنها سجن للنور وأنه ينبغي السعي في إنهاء الحياة لانقاذ النور من سجنه (1).