وقال الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في هذا النور وأهم خواصه التي هي إيصال الإنسان إلى المقصد الأعلى للإنسانية:
" في وصف السالك الطريق إلى الله ": قد أحيا عقله، وأمات نفسه، حتى دق جليله، ولطف غليظه، وبرق له لامع كثير البرق، فأبان له الطريق، وسلك به السبيل، وتدافعته الأبواب إلى باب السلامة، ودار الإقامة، وثبتت رجلاه بطمأنينة بدنه في قرار الأمن والراحة، بما استعمل قلبه، وأرضى ربه " (1).
إن الآيات والأحاديث التي تعد نورانية الإنسان مقدمة لحركته الصحيحة في المجتمع تلقاء الكمال المطلق، أو تفسر العلم بالنور، أو ترى أن العلم ملازم للإيمان بالله ورسالة الأنبياء، مقترنا بالصفات المرضية والأعمال الصالحة، إنما توضح في الحقيقة جوهر العلم وحقيقته.
ودليلنا على أن هذا النور هو لب العلم، وجميع العلوم الرسمية قشر له، هو أن قيمة العلوم المذكورة مرتبطة به.
إن جوهر العلم هو الذي يهب العلم قيمة حقيقية، أي يجعله في خدمة الإنسان وتكامله وسعادته. وبغيره لا يفقد العلم مزاياه وآثاره فحسب، بل يتحول إلى عنصر مضاد للقيم الإنسانية.
ولهذا نقول إن قيمة جوهر العلم مطلقة، وقيمة العلوم الرسمية مشروطة. وشرط قيمتها أن تكون في خدمة الإنسان. ولا يمكنها أن تصب في خدمته إذا جردت من جوهر العلم. بل إنها ربما استخدمت ضد الإنسان.
النقطة المهمة اللافتة للنظر هي أن العلم عندما يفقد جوهره وخاصيته، فلا يساوي الجهل فحسب، بل يكون أشد ضررا منه، إذا يعجل في حركة الإنسان نحو السقوط والانحطاط.