إذا فقد العلم جوهره واتجاهه الحقيقي، فإنه يصبح كالدليل الذي يسوق المرء إلى هاوية الضلال، بدل أن يهديه إلى سواء السبيل. وهنا كلما تقدم العلم، كان خطره أكبر على المجتمع الإنساني.
الخطر الكبير الذي يهدد المجتمع البشري اليوم هو أن العلم قد ارتقى كثيرا، بيد أنه فقد جوهره وخاصيته واتجاهه السديد، واستخدم باتجاه انحطاط الإنسانية وسقوطها.
ويمكن أن ندرك بتأمل يسير، الآفات التي فرضها العلم على المجتمع البشري في واقعنا المعاصر، ونفهم ماذا تجرع الإنسان من ويلات حين قبضت القوى الكبرى على سلاح العلم، ونعرف كيف تعامل الناهبون - الذين استغلوا العلم لسلب الإنسان ماديا ومعنويا - بقسوة، ولا يرحمون أحدا.
قال برشت " الإنسان المعاصر متنفر من العلم، لأن العلم هو الذي أوجد الفاشية وفرضها على البشرية، والعلم هو الذي وسع رقعة الجوع لأول مرة، بحيث غدا اثنان - من كل ثلاثة في العالم - جياعا (1).
هل يمكن أن نسمي وسائل النهب، والجوع، والقتل، والفساد علما؟!
أهو علم ونور هذا الذي يسوق المجتمع شطر الفساد والضياع، أم هو الجهل والظلمة؟
هنا يستبين معنى الكلام النبوي الدقيق، إذ قال (صلى الله عليه وآله): " إن من العلم جهلا " (2).
يثار هنا سؤال يقول: كيف يصير العلم جهلا؟ ألا يعني هذا تناقضا في الكلام؟
بيد أننا إذا تأملنا فيه تبين لنا أنه ليس تناقضا في الكلام، بل هو كلام دقيق ذو مغزى.