إلى روايات أخرى أسلفناها في الجزء الخامس في سلسلة الموضوعات، ونحن وإن ماشينا القوم هنالك وأخذنا بتلكم الطامات أناسا آخرين من رجال أسانيدها، غير أن ما صح عن ابن عمر من أخباره كحديث المفاضلة، وما علم من نزعاته الوبيلة، وما ثبت عنه من أفعاله وتروكه تقرب إلى الذهن إنه هو صائغ تلكم الصحاصح، ولا رجحان لغيره عليه في كفة الاختلاق والتقول، كما أن له في نحت الأعذار لمن انحاز إليهم من الأمويين قدما وقدما، وقد مر شطر من شواهد ذلك ومنها ما أخرجه أحمد في مسنده 2: 101 من طريق عثمان بن عبد الله بن موهب قال: جاء رجل من مصر يحج البيت قال فرأى قوما جلوسا فقال: من هؤلاء القوم؟ فقالوا: قريش. قال: فمن الشيخ فيهم؟ قالوا: عبد الله بن عمر. قال: يا ابن عمر إني سائلك عن شئ أو أنشدك بحرمة هذا البيت، أتعلم أن عثمان فر يوم أحد؟ قال: نعم. قال: فتعلم أنه غاب عن بدر فلم يشهده؟ قال: نعم. قال: وتعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان؟ قال: نعم. قال فكبر المصري، فقال ابن عمر: تعال أبين لك ما سألتني عنه، أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله قد عفى عنه وغفر له، وأما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته ابنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنها مرضت فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لك أجر رجل شهد بدر أو سهمه.
أما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه، بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان، وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان، فضرب بها يده وقال: هذه لعثمان. قال: وقال ابن عمر: اذهب هذا الآن معك. وأخرجه البخاري في صحيحه 6:
122. وفي مرسلة عن المهلب بن عبد الله أنه دخل على سالم بن عبد الله بن عمر رجل وكان ممن يحمد عليا ويذم عثمان فقال الرجل: يا أبا الفضل؟ ألا تخبرني هل شهد عثمان البيعتين كلتيهما: بيعة الرضوان وبيعة الفتح؟ فقال سالم: لا. فكبر الرجل وقام ونفض ردائه و خرج منطلقا فلما أن خرج قال له جلساؤه: والله ما أراك تدري ما أمر الرجل، قال:
أجل، وما أمره؟ قالوا: فإنه ممن يحمد عليا ويذم عثمان فقال: علي بالرجل فأرسل إليه فأتاه فقال: يا عبد الله الصالح إنك سألتني: هل شهد عثمان. البيعتين كلتيهما: بيعة الرضوان وبيعة الفتح؟ فقلت: لا. فكبرت وخرجت شامتا فلعلك ممن يحمد عليا ويذم عثمان؟