يأمر حليلتها بالمبادرة إلى البيعة، ولا بايع هو، وهو يعلم أن من مات ولم يعرف إمام زمانه وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية، فخلافة هذا شأنها حقيقة بالإعراض عنها والنكوص عن البخوع لصاحبها.
8 - من طريق أبي أمية عمرو بن يحيى بن سعيد عن جده: إن معاوية أخذ الأداوة بعد أبي هريرة يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم بها واشتكى أبو هريرة فبينا هو يوضئ رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع رأسه مرة أو مرتين فقال: يا معاوية! إن وليت أمرا فاتق الله عز وجل وأعدل. قال: فما زلت أظن إني مبتلى بعمل لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ابتليت.
المسند 4: 101.
قال الأميني: إن من المأسوف عليه أن الرجل نسي هذه الوصية النبوية في عهديه جميعا من الإمارة والملك العضوض، أو أنه كان يذكرها غير أنه لم يكترث لها فلم يدع شيئا من مظاهر العدل والتقوى إلا وتركه، ولا أمرا من موجبات الإثم والعدوان إلا وارتكبه، وإن البحث لفي غنى عن سرد تلك المآثم والجرائم، وقد كررنا بعضها في أجزاء هذا الكتاب، وفي حيطة سعة الباحث الوقوف عليها كلها.
فليته كان يذكر تلك الوصية الخالدة يوم تثبط عن نصرة عثمان حتى أودي به، ويوم كاشف إمام الوقت أمير المؤمنين عليه السلام بالحروب الطاحنة، وجابه ولاية الله الكبرى بكل ما كان يسعه عناده ومكائده، وناوء الصحابة العدول بالقتل والتشريد، واضطهد صلحاء الأمة بكل ما في حوله وطوله من إخافة وإرجاف وقتل ذريع وأخذ بالظنون والتهم، أو كان من العدل والتقوى شئ من هذه؟ أو كان منهما بيع الخمر وشرابها وأكل الربا، واستلحاق زياد بأبي سفيان، واستخلاف يزيد؟ ولعلك أعرف بيزيد من غيرك كما أن مستخلفه كان أعرف به من كل أحد.
ولعل من أظهر مصاديق عدله وتقواه دؤبه على سب الإمام الطاهر، ولعنه على صهوات المنابر، وقنوته بذلك في صلواته - التي كانت تلعنه - وحمله الناس على ذلك بالحواضر الإسلامية وأوساطها طول حياته حتى كانت بدعة مخزية مستمرة في العهد الأموي كلها بعد أن اخترمته المنية.