السنة. وقال: لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة. والثالث: الإجماع الذي دل تعالى على صحته بقوله: ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين فوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا. لأنه عز وجل توعد باتباع غير سبيل المؤمنين، فكان ذلك أمرا واجبا باتباع سبيلهم، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: لا تجتمع أمتي على ضلالة. والرابع الاستنباط وهو القياس على هذه الأصول والثلاثة التي هي الكتاب والسنة والاجماع، لأن الله تعالى جعل المستنبط من ذلك علما، وأوجب الحكم به فرضا، فقال عز وجل: ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم وقال عز وجل: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله. أي بما أراك فيه من الاستنباط والقياس، لأن الذي أراه فيه من الاستنباط والقياس هو مما أنزل الله عليه وأمره بالحكم به حيث يقول: وأن احكم بينهم بما أنزل الله.
نظرة في اجتهاد معاوية هاهنا حق علينا أن نميط الستر عن اجتهاد معاوية، ونناقش القائلين به في أعماله، أفهل كانت على شئ من النواميس الأربعة: الكتاب. السنة. الإجماع. القياس؟ أو هل علم معاوية علم الكتاب؟ وعند من درسه؟ ومتى زاوله؟ وقد كان عهده به منذ عامين (1) قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله، وهل كان يميز بين محكماته ومتشابهاته؟ أو يفرق بين مجمله ومبينه؟ أو يمكنه الحكم في عمومه وخصوصه؟ أو أحاط خبرا بمطلقه ومقيده؟ أو عرف شيئا من ناسخه ومنسوخه، إلى غير هذه من أضراب الآي الكريمة، ومزايا المصحف الشريف الداخل علمها في استنباط الأحكام منه؟!.
إن ظروف معاوية على عهد استسلامه لا يسع شيئا من ذلك، على حين إنها تستدعي فراغا كثيرا لا يتصرم بالسنين الطوال فكيف بهذه الأويقات اليسيرة التي تلهيه في أكثرها الهواجس والأفكار المتضاربة من نواميس دينه القديم " الوثنية " وقد أتى عليها ما انتحله من الدين الجديد " الاسلام " فأذهب عنه هاتيك، ولم يجئ بعد هذا على وجهه بحيث يرتكز في مخيلته، ويتبوأ في دماغه.