وعرف انطباقها عليه بتمام معنى الكلمة، ثم ينحاز عنه ويتخذ سبيلا غير سبيله فيبغي به الغوائل، ويتربص به الدوائر، ويقع فيه بملء فمه وحشو فؤاده، ويرميه بقذائف الحقد والشنئان؟! لعلك لا تجد مسلما هو هكذا غير من ألهته العصبية عن الهدى، و تدهورت به إلى هوة الشهوات السحيقة، ولعلك لا تجد ذلك الرجل البائس إلا ابن أبي سفيان المجابه للكتاب والسنة بعد الانكار بقلبه بالهزء والسخرية بلسانه، فعل مردة الوقت وطواغيت الأمة، فتراه عندما روى له سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرة أحاديث مما سمعه عن رسول الله صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام ونهض ليقوم ضرط له معاوية استهزاء كما مر حديثه في هذا الجزء ص 258.
وحينما ذكر له أبو ذر الغفاري ذلك الصادق المصدق قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
إست معاوية في النار. جابهه بالضحك وأمر بحبسه.
ولما بقر عبد الرحمن بن سهل الأنصاري روايا خمر لمعاوية وبلغه شأنه قال:
دعوه فإنه شيخ قد ذهب عقله (1). يستهزأ إنكاره على تلك الكبيرة الموبقة، وليت شعري بم هذا الهزأ والسخرية؟ أبالصحابي العادل؟ أم بمن استند إليه في حكمه بتحريم الخمر؟ أم بالشريعة التي جاءت به؟ إن ابن آكلة الأكباد بمقربة من كل ذلك، أو إنه لا يدين الله بذلك الحكم البات؟
ولما سمع من عمرو بن العاص ما حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله لعمار تقتلك الفئة الباغية. قال لعمرو: إنك شيخ أخرق، ولا تزال تحدث بالحديث، وأنت ترحض في بولك، أنحن قتلناه؟ إنما قتله علي وأصحابه، جاؤوا به حتى ألقوه بين رماحنا. وقال: أفسدت علي أهل الشام، أكل ما سمعت من رسول الله تقوله؟ (2) أهذا هزء؟ أم أن معاوية بلغ من السفاهة مبلغا يحسب معه أن أمير المؤمنين هو قاتل عمار، إذن فما قوله في سيد الشهداء حمزة وجعفر الطيار؟ (3) أكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قاتلهما يوم ألقاهما بين رماح المشركين وسيوفهم؟ لا تستبعد مكابرة الطاغية