المغالاة في فضائل معاوية ابن أبي سفيان كنا نرتأي أن معاوية في غني عن إفاضة القول في مخاريقه لما عرفته الأمة من نفسيته الموبوئة، وأعماله الوبيلة، وجرائمه الموبقة الجمة، ورذائله الكثيرة، ونسبه الموصوم، وأصله اللئيم، ومحتده الدني، وأن من يضع فيه المدائح تندى جبهته عن سردها لمثله، غير أنا وجدنا الأمل قد أكدى، والظن قد أخفق، وأن القحة والصلف لم يدعا لأولئك الوضاعين حدا يقفون عليه، فحاولنا أن نذكر يسيرا من معرفاته لإيقاف الباحث على حقيقة الحال فيما عزوه إليه من الثناء، غير مكترثين لهلجة ابن كثير والهتاف الذي سمعه بعض السلف على جبل بالشام [ولعل الهاتف هو الشيطان] من أبغض معاوية سحبته الزبانية إلى جهنم الحامية يرمى به في الحامية الهاوية.
ولا مبالين بطيف خيال ركن إليه ابن كثير أيضا قال: قال بعضهم: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاوية إذ جاء رجل فقال عمر: يا رسول الله! هذا يتنقصنا فكأنه انتهره رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إني لا أتنقص هؤلاء ولكن هذا - يعني معاوية - فقال: ويلك أوليس هو من أصحابي؟ قالها ثلاثا، ثم أخذ رسول الله حربة فناولها معاوية فقال: جابهه في لبته. فضربه بها وانتبهت فبكرت إلى منزلي فإذا ذلك الرجل قد أصابته الذبحة من الليل ومات، وهو راشد الكندي.
ولا معتدين برأي سعيد بن المسيب: من مات محبا لأبي بكر وعمر وعثمان و وعلي وشهد للعشرة بالجنة وترحم على معاوية كان حقا على الله أن لا يناقشه الحساب (1) ولا بأضغاث أحلام جاءت عن عمر بن عبد العزيز وفيها قول معاوية: غفر لي ورب الكعبة. مر حديثها في الجزء التاسع ص 347.
ولا معبأين بقول أحمد: ما لهم ولمعاوية؟ نسأل الله العافية.
فلا نقيم أي وزن لأمثال هذه السفاسف من آراء مجردة، أو ركون إلى خيال،