شركائي وشهود المؤمنين فأشيروا علي، قالوا: نشير عليك أن تبعث رجالا ممن تثق بهم إلى الأمصار حتى يرجعوا إليك بأخبارهم، فدعا محمد بن مسلمة فأرسله إلى الكوفة، وأرسل أسامة بن زيد إلى البصرة، وأرسل عمار بن ياسر إلى مصر، وأرسل عبد الله ابن عمر إلى الشام، وفرق رجالا سواهم فرجعوا جميعا قبل عمار فقالوا: أيها الناس ما أنكرنا شيئا ولا أنكره أعلام المسلمين ولا عوامهم، قالوا جميعا: الأمر أمر المسلمين إلا أن أمرائهم يقسطون بينهم ويقومون عليهم، واستبطأ الناس عمارا حتى ظنوا أنه قد اغتيل فلم يفجأهم إلا كتاب من عبد الله بن سعد بن أبي سرح يخبرهم أن عمارا قد استماله قوم بمصر وقد انقطعوا إليه منهم: عبد الله بن السوداء، وخالد بن ملجم، وسودان بن حمران، وكنانة بن بشر.
قال الأميني: لو كان ابن سبا بلغ هذا المبلغ من إلقاح الفتن، وشق عصا المسلمين وقد علم به وبعيثه أمراء الأمة وساستها في البلاد، وانتهى أمره إلى خليفة الوقت، فلماذا لم يقع عليه الطلب؟ ولم يبلغه القبض عليه، والأخذ بتلكم الجنايات الخطرة، والتأديب بالضرب والإهانة، والزج إلى أعماق السجون؟ ولا آل أمره إلى الإعدام المريح للأمة من شره وفساده، كما وقع ذلك كله على الصلحاء الأبرار الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وهتاف القرآن الكريم يرن في مسامع الملأ الديني:
إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض، ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم " المائدة: 33 ".
فهلا اجتاح الخليفة جرثومة تلكم القلاقل بقتله؟ وهل كان تجهمه وغلظته قصرا على الأبرار من أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ ففعل بهم ما فعل مما أسلفنا بعضه في هذا الجزء والجزء الثامن.
هب أن ابن سبا هو الذي أمال الأمصار على مناوءة الخليفة فهل كان هو مختلقا تلكم الأنباء من دون انطباقها على شئ من أعمال عثمان وولاته؟ فنهضت الأمة وفيهم وجوه المهاجرين والأنصار على لا شئ؟ أو أن ما كان يقوله قد انطبق على ما كانوا يأتون به من الجرائم والمآثم، فكانت نهضة الأمة لاكتساحها نهضة دينية يخضع لها كل مسلم