والولاة والأمراء إيثار ذوي قرابتهم بشؤون الحكم، وليس المسلمون الذين كانوا رعية لعثمان بدعا من الناس، فهم قد أنكروا وعرفوا ما ينكر الناس ويعرفون في جميع العصور. إنتهى حرفيا.
على أن ما تضمنته هذه الرواية من بعث عمار إلى مصر وغيره إلى بقية البلاد مما لا يكاد أن يذعن به، أو أن يكون له مقيل من الصحة، ولم يذكر في غير هذه الرواية الموضوعة المكذوبة على ألسنة رواتها المتراوحين بين زندقة وكذب وجهالة، فإن ما يعطيه النظر في مجموع ما روي حول مشكلة عثمان أن عمارا ومحمد بن مسلمة لم يفارقا المدينة طيلة أيامها ومنذ مبادئها إلى غايتها المفضية إلى مقتل عثمان، وعمار هو الذي كان في مقدم الثائرين عليه من أول يومه الناقمين على أعماله، وقد أراد نفيه إلى الربذة منفى أبي ذر بعد وفاته فيه رضوان الله عليهما فمنعته المهاجرون والأنصار كما مر حديثه، وكم وقع عليه في تضاعيف تلكم الأحوال تعذيب وضرب وتعنيف، وكان عثمان يعلم بكراهة عمار إياه منذ يومه الأول، فمتى كان يستنصح عمارا حتى يبعثه إلى البلاد فيحكي عمار له أخبارها، أو يستميله ابن سبأ وأصحابه؟ وهذا مما لا يعزب علمه عن أي باحث كما تنبه له الدكتور طه حسين في " الفتنة الكبرى " ص 128 حيث قال:
أكاد أقطع بأن عمارا لم يرسل إلى مصر ولم يشارك هذين الفتيين (1) فيما كانا بسبيله من التحريض وإنما هي قصة اخترعها العاذرون لعثمان فيما كان بينه وبين عمار قبل ذلك أو بعده مما سنراه بعد حين. ا ه.
2 - قال الطبري ص 99: كتب إلي السري عن شعيب عن سيف عن محمد وطلحة وعطية قالوا: كتب عثمان إلى أهل الأمصار:
أما بعد فإني آخذ العمال بموافاتي في كل موسم، وقد سلطت الأمة منذ وليت على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلا يرفع علي شئ ولا على أحد من عمالي إلا أعطيته، وليس لي ولعيالي حق قبل الرعية إلا متروك لهم، وقد رفع إلى أهل المدينة أن أقواما يشتمون، وآخرون يضربون، فيا من ضرب سرا وشتم سرا، من ادعى شيئا من ذلك فليواف الموسم فليأخذ بحقه حيث كان مني أو من عمالي أو تصدقوا