سيره إلى البصرة، فلما أتى عليه ما شاء الله وأتاه عنه الذي يحب، أذن له فقدم عليه المدينة ومعه قوم سعوا بعامر أنه لا يرى التزويج، ولا يأكل اللحم، ولا يشهد الجمعة فألحقه عثمان بمعاوية فلما قدم عليه رأى عنده ثريدا فأكل أكلا عربيا، فعرف أن الرجل مكذوب عليه فعرفه معاوية سبب إخراجه فقال: أما الجمعة فإني أشهدها في مؤخر المسجد ثم أرجع في أوائل الناس، وأما التزويج فإني خرجت وأنا يخطب علي، وأما اللحم فقد رأيت (1).
أولا تعجب من الذين اتخذوا هذه الرواية مصدرا في تعذير عثمان عن نفي عامر وإشخاصه وهم يبطلون الرواية في غير هذا المورد بوجود واحد من رجال هذا السند الثلاثة، لكنهم يحتجون بروايتهم جميعا هاهنا، وفي كل ما نقم به على عثمان؟
ثم لننظر فيما وشى به على الرجل بعد الفراغ من النظرة في حال الواشي وهو حمران المتقدم ذكره، هل يوجب شئ منها ذما أو تعزيرا تأديبا أو تغريبا؟ وهل هي من المعاصي المسقطة لمحل الانسان؟ أما ترك التزويج فلم يثبت حرمته إن لم يكن من باب التشريع وأخذه دينا، وإنما النكاح من المرغب فيه، على أنه كان لم يزل يخطب لنفسه لكنه لا يجد من يلائمه في خفة المؤنة، أخرج أبو نعيم في الحلية 2: 90: إن عامر بن عبد قيس بعث إليه أمير البصرة فقال: إن أمير المؤمنين أمرني أن أسألك مالك لا تزوج النساء؟ قال: ما تركتهن وإني لدائب في الخطبة، قال: وما لك لا تأكل الجبن؟
قال: أنا بأرض فيها مجوس فما شهد شاهدان من المسلمين أن ليس فيه ميتة أكلته. قال:
وما يمنعك أن تأتي الأمراء؟ قال: إن لدى أبوابكم طلاب الحاجات فادعوهم واقضوا حوائجهم، ودعوا من لا حاجة له إليكم.
وأخرج من طريق أحمد بن حنبل بإسناده عن الحسن قال: بعث معاوية إلى عبد الله بن عامر أن انظر عامر بن عبد قيس فأحسن إذنه وأكرمه ومره أن يخطب إلى من شاء وأمهر عنه من بيت المال، فأرسل إليه إن أمير المؤمنين قد كتب إلي وأمرني أن آمرك أن تخطب إلى من شئت وأمهر عنك من بيت المال. قال: أنا في الخطبة دائب. قال: إلى