كيف وثق خليفة المسلمين بخبر إنسان هذا شأنه من الفسق والتهور والله جل اسمه يقول: إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا، أن تصيبوا قوما بجهالة. الآية؟
ثم أعجب أن حمران نفاه الخليفة على فسقه وأقطعه دارا لجمع شمله، والعبد الصالح أبو ذر الغفاري الصادق المصدوق أجفل إلى الربذة، وترك في البر الأقفر لا يأوي إلى مضرب، ولا يظله خباء، هذا من هوان الدنيا على الله.
وهل الخليفة عرف عامرا ومكانته في الأمة ومنزلته من الزهد والتقوى ومحله من التعبد والنزاهة، فأصاخ فيه إلى قول الوشاة وأشخصه إلى المدينة مرة وسيره إلى الشام على القتب أخرى، وأزرى به وأهانه حين مثل بين يديه؟ أو أنه لم يعرفه ولا شيئا من فضله، فوثق بما قالوه؟ وكان عليه أن يعرفه لما علم بسفارته من قبل وجهاء البصرة وأهل الحريجة والتقوى، ذوي الحلوم الراجحة، والآراء الناضجة، فإنهم لا يرسلون طبعا إلا من يرضونه في مكانته وعلمه وعقله وتقواه. وهل كان فيما يقوله مغضبة أوانه ما كان يتحرى صالح الأمة وصلاح من يسوسها؟
إن من العصيب أن نعترف بأنه ما كان يعرف عامرا وصلاحه، فقد كان يسير بذكره الركبان، وهبت بأريج فضله النسائم في الأجواء، والأرجاء، وفي طيات المعاجم والسير اليوم نماذج من تلكم الشهرة الطائلة عن عامر بين العباد وفي البلاد يوم ألزم نفسه أن يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة (1) فكانوا يعدونه من أولياء الله المقربين، وأول الزهاد الثمانية، وذكروا له كرامات ومكرمات.
أفمن الممكن إذن أن لا يعرفه الخليفة؟ ولم يكن فيما ينكره إلا ما أصفقت على إنكاره أهل الحل والعقد يومئذ من الصالح العام في الحواضر الإسلامية كلها، غير أنهم لم يجدوا كما أن عامرا لم يجد أذنا مصغية لهتافهم، فتكافئ دؤب الخليفة على التصامم ودؤب القوم على الإنكار حتى استفحل الخطب ودارت الدوائر.
وهلم معي ننظر إلى رواية الضعفاء رواية كذاب متروك عن مجهول منكر عن وضاع متهم بالزندقة متفق على ضعفه: السري عن شعيب عن سيف بن عمر بن محمد و طلحة: إن عثمان سير حمران بن أبان أن تزوج امرأة في عدتها وفرق بينهما وضربه و