الإجماع في كل من الثلاثة فإن خلافة أبي بكر إنما تمت بعد وصمات سودت صحيفة تاريخه، وأبقت على الأمة عارا إلى منصرم الدنيا، لا تنسى قط بمر الجديدين وكر الملوين، إنما تمت ببيعة رجل أو رجلين أو خمسة، ومن هنا حسبوا أن الخلافة تنعقد برجل أو رجلين أو خمسة (1) مع تقاعد جمع كثير عنها من عمد الصحابة وأعيانهم كما فصلناه في الجزء السابع ص 93 ثم لم يجمعهم مع القوم إلا الترعيد والترعيب ومحاشد الرجال وبروق الصوارم وكان من حشدهم اللهام رجال من الجن رموا سعد بن عبادة أمير الخزرج.
وأما خلافة عمر فكانت بالنص من أبي بكر مع إنكار الصحابة عليه ونقدهم إياه بذلك. وكم أناس كانوا يشاركون طلحة في قوله لأبي بكر: ما تقول لربك وقد وليت علينا فظا غليظا (2).
وأما عثمان فنصبته الشورى على هنات بين رجال الشورى عقد له عبد الرحمن بن عوف ولم يشترطوا كما قال الأيجي (3) إجماع من في المدينة فضلا عن إجماع الأمة نعم: عقد عبد الرحمن البيعة لصاحبه وسيفه مسلول على رأس الإمام علي بن أبي طالب قائلا له: بايع وإلا ضربت عنقك. ولحقه أصحاب الشورى قائلين بايع وإلا جاهدناك.
أنساب البلاذري 5: 22.
والتمحل بحصول الإجماع بعد ذلك تدريجا لا يجديهم نفعا، فإن الخلافة قد ثبتت عندهم بالبيعة الأولى فجاء متمموا الإجماع بعد ذلك على أساس موطد.
وأما ثانيا فإن من الممكن على فرض التنازل مع التفتازاني أن يكون إجماعهم على خلافة الثلاثة لكونهم معصومين كما ينص به هو، وأما الإجماع المنقول عنهم بعدم وجوب العصمة فمما لا طريق إلى تحصيله من آراء الصحابة، فمتى سبر التفتازاني نظريات السلف وهم معدودون بمئات الألوف فعلم من نفسياتهم أنهم لا يرون وجوب العصمة في خلفائهم وهم رهائل أطباق الثرى؟ ومن ذا الذي كان يسعه أن يعلمها فينهيها إلى التفتازاني وهلم جرا إلى دور الصحابة؟ ومتى كانوا يتعاطون المسائل الكلامية ويتفاوضون