في شجاعة أبي بكر بما لا مزيد عليه حتى حسبوه أشجع الصحابة، وقد شهد مشاهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلها وما سل فيها سيفا، ولا نزل في معترك قتال، ولا تقدم لبراز أي مجالد، وما رئي قط مناضلا، وما شوهد يوما في ميادين الحراب منازلا، فأكثروا القول فيها وجاؤا بأحاديث خرافة في شجاعته رجاء أن يثبت له منها شئ تجاه تلك الدراية الثابتة بالمحسوس المشاهد (1).
ويبالغون في زهده وتقواه وجعلوا كبده مشويا من خوف الله والدخان يتصاعد من فمه إلى السماء مهما تنفس، ولم يثبت له ميز في العبادة ولم يرو عنه الاكثار من الصوم والصلاة ومن كل ما يقربه إلى الله زلفى (2).
ويبالغون في علم عمر وجعلوه أعلم الصحابة في يومه على الإطلاق وأفقههم في دين الله، وحابوه تسعة أعشار العلم، راجحا علمه علم أهل الأرض، علم أحياء العرب في كفة الميزان، وجاؤا فيه بكثير لدة هذه الخرافات (3) والرجل قد ألهاه الصفق بالأسواق عن علم الكتاب والسنة، وكل الناس أفقه منه حتى ربات الحجال أخذا بقوله وهو الصادق المصدق فيه (4).
ويبالغون في إنكاره الباطل وبغضه الغناء ونكيره الشديد عليه، وقد ثبت من شكيمته أنه كان يتعاطاه ويجوزه (5).
ولما وجدوا أن التاريخ الصحيح وما ثبت من سيرة عثمان ينفي عنه ملكة الحياء ويمثله للمجتمع بما يضادها، نسجوا له النسج المبرم، وأتوا بالمخازي ووضعت يد الافتعال فيها ما سمعت من الأفائك، حتى جعلوه أشد أمة محمد حياء وأحياها و أكرمها، حييا تستحي منه الملائكة. فحياء عثمان كشجاعة أبي بكر وعلم عمر سالبة بانتفاء موضوعاتها، وهي فيهم تضاهي أمانة معاوية وعلمه الواردين فيما يعزى إليه صلى الله عليه وآله وسلم من قوله: كاد أن يبعث معاوية نبيا من كثرة علمه وائتمانه على كلام ربي. وقوله: