والخرافات والأساطير التي ابتلي بها المسلمون، وانتشرت بينهم التلبيسات الملتوية والشبه الغامضة، فشوهت جمال الشريعة المطهرة، وحشي بها كثير من كتب المؤلفين المتقدمين والمتأخرين، حتى أصبحت وبالا على الدين، وشرا على المسلمين، وحائلا دون نهضتهم وتقدمهم، وسلاحا في أيدي خصوم الاسلام، وعائقا عن الوصول إلى كثير من الحقايق التاريخية والعلمية والدينية، ولولا توفيق الله تعالى رحمة بهذه الأمة، ورعاية لهذا الدين الكريم، لطائفة من أئمة المسلمين المصطفين الأخيار، انتهضوا لنقد الأسانيد وتنقيح الروايات، وبهرجة الزائف منها، وحظر الرواية عن كل صاحب بدعة في الاسلام، لما بقيت للاسلام صورته النيرة التي جاء بها القرآن الحكيم، وأداها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه نقية صافية. ا ه.
هذه نفثات الأستاذ الصادق، وهذه حسراته وزفراته المتصاعدة وراء ضياع التاريخ الاسلامي، وراء طمس الحقايق تحت أطباق الظلمات، وراء تشويه الأساطير والمخاريق والأباطيل جمال الشريعة المطهرة، ولعمر الحق لقد أحسن وأجاد، والرايد لا يكذب، غير أن المسكين هو من أسراء تلكم السلاسل المتسلسة من الموضوعات والخرافات التي ابتلي بها المسلمون، وعاقته الأغشية المدلهمة عن الوصول إلى الحقايق التاريخية والعلمية والدينية، وثبطته التلبيسات الملتوية عن نيل الصحيح الناصع من التاريخ والحديث، فما أصاب من الحق نيلا، وما أسعفته فكرته هذه على الطامات ولا قدر شعرة، وما أوضحت له سبل النجاح، وما هدته إلى المهيع اللايح، فليته ثم ليته كان يأخذ بأقوال أولئك الأئمة المصطفين الأخيار في نقد الأسانيد في الجرح والتعديل، وكان يعمل بها ويتخذها دستورا لنفسه، مقياسا فيما سطره من الأكاذيب والأفائك، وليته كان يرحم هذه الأمة، ويرعى هذا الدين الكريم مثلما هم رحموا ورعوا، وما زرف في تأليفه، وما أعاد لأساطير الأولين الخلقة جدتها بعد ألف وثلاثمائة عاما من عمرها.
وهل هو بعد ما وقف على هذا الجزء ووجد كتابه مؤلفا من سلسلة بلايا وحلقة أباطيل زيفها أولئك الأئمة الذين هو اصطفاهم واختارهم وأثنى عليهم يقرع سن الندم ويتبع سنن الحق اللاحب؟ أو أنه يلج فيما سود به صحائف كتابه أو صحيفة تاريخه ويتمادى في غيه وليه؟ وما التوفيق إلا بالله.